السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4650 باب : المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله

وقال النووي : (باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره وذمه وعرضه وماله) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص120 ،121 ج16 المطبعة المصرية

(عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض . وكونوا -عباد الله !- إخوانا ؛ المسلم أخو المسلم ؛ لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره ، التقوى هاهنا" -ويشير إلى صدره : ثلاث مرات- "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم . كل المسلم على المسلم حرام دمه ، وماله ، وعرضه" ) .


[ ص: 101 ] (الشرح)

(عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تحاسدوا) .

"الحسد" : تمني زوال النعمة . و"التحاسد" : هو أعم من أن يسعى في إزالة تلك النعمة عن مستحقها ، أم لا . فإن سعى كان باغية . وإن لم يسع في ذلك ولا أظهره ولا تسبب فيه . فإن كان المانع عجزه بحيث لو تمكن فعل فآثم .

وإن كان المانع التقوى فقد يعذر لأنه لا يملك دفع الخواطر النفسانية . فيكفيه في مجاهدة نفسه عدم العمل والعزم عليه .

وفي حديث إسماعيل بن علية ، عند عبد الرزاق ، مرفوعا : "ثلاث لا يسلم منها أحد : الطيرة ، والظن ، والحسد . قيل : فما المخرج منهن يا رسول الله ؟ ! قال إذا تطيرت ، فلا ترجع ، وإذا ظننت فلا تحقق ، وإذا حسدت فلا تبغ" .

و"الحسد" : أول ذنب عصي الله به في السماء من "إبليس" . وفي الأرض من "قابيل" .

وأقوى أسباب الحسد العداوة ، ومنها حب الرياسة . فمتى تفرد بفن وأحب الرياسة صارت حالته ؛ إذا سمع في أقصى العالم بنظيره أحب موته ، أو زوال تلك النعمة عنه .

[ ص: 102 ] وآفاته كثيرة . وربما حسد عالما ، فأحب خطأه في دين الله ، وانكشافه ، أو بطلان علمه : بخرس ، أو مرض . نسأل الله العفو والعافية .

(ولا تناجشوا) من النجش . وهو أن يزيد في السلعة ، وهو لا يريد شراءها ، بل ليوقع غيره فيها .

قال القاضي : يحتمل أن المراد بالتناجش هنا ذم بعضهم بعضا . قال النووي : والصحيح الأول .

(ولا تباغضوا) . أي : لا تتعاطوا أسباب البغض . نعم إذا كان البغض لله وجب .

قال بعض العلماء : وفي النهي عن التباغض إشارة إلى النهي عن الأهواء المضلة ، الموجبة للتباغض .

(ولا تدابروا) أي : لا تعادوا ولا تهاجروا فيولي كل واحد منكما دبره لصاحبه حين يراه . لأن من أبغض أعرض ، ومن أعرض ولى دبره بخلاف من أحب .

(ولا يبع بعضكم على بيع بعض) . سبق شرحه في (كتاب البيوع) .

(وكونوا عباد الله) ! أي : يا عباد الله ! (إخوانا) أي : تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوة باكتساب ما تصيرون به كإخوان النسب في الشفقة ، والرحمة ، والرفق ، والمحبة ، والملاطفة ، والمواساة ، والنصيحة ، والتعاون في الخير ، ونحو ذلك . مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال .

[ ص: 103 ] يعني : أنتم مستوون في كونكم عبيد الله وملتكم ملة واحدة . فالتحاسد والتباغض والتدابر ونحوها مناف لحالكم .

فالواجب عليكم ! أن تكونوا إخوانا متواصلين متآلفين . زاد في رواية : "كما أمركم الله" .

(المسلم أخو المسلم لا يظلمه) من الظلم . والظلم حرام .

(ولا يخذله) من الخذل وهو ترك الإعانة والنصر .

ومعناه : إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه : لزمه إعانته ، إذا أمكنه ، ولم يكن له عذر شرعي .

(ولا يحقره) أي : لا يحتقره فلا ينكر عليه ولا يستصغره ويستقله .

قال عياض : ورواه بعضهم : "لا يخفره" أي : لا يغدر بعهده ، ولا ينقض أمانه .

قال : والصواب المعروف هو الأول . وهو الموجود ، في غير كتاب مسلم بغير خلاف .

وروي : "يحتقره" . وهذا يرد الرواية الثانية .

(التقوى ههنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرار-) .

[ ص: 104 ] يعني : أن الأعمال الظاهرة لا يحصل بها التقوى . وإنما تحصل بما يقع في القلب من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته .

(بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم . كل المسلم على المسلم حرام ؛ دمه وماله وعرضه) .

فيه : أن حكم هذه الثلاثة في التحريم وتغليظ الحرمة والنهي عنها حكم واحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية