السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4690 [ ص: 152 ] باب النهي عن الغيبة

وقال النووي : (باب تحريم الغيبة) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص142 ج16 ، المطبعة المصرية

(عن أبي هريرة رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : "أتدرون ما الغيبة ؟" قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : "ذكرك أخاك بما يكره" قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : "إن كان فيه ما تقول ، فقد اغتبته . وإن لم يكن فيه ، فقد بهته" ) .


(الشرح)

أي : قلت فيه "البهتان" ، وهو الباطل .

قال النووي : "والغيبة" : ذكر الإنسان في غيبته بما يكره . وأصل "البهت" : أن يقال له الباطل في وجهه . وهما حرامان ، لكن تباح الغيبة : لغرض شرعي . وذلك لستة أسباب ؛

أحدها : "التظلم ، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ، ممن له ولاية ، أو قدرة على إنصافه من ظالمه . فيقول : ظلمني فلان ، أو فعل بي كذا .

الثاني : "الاستغاثة" على تغيير المنكر ، ورد العاصي إلى الصواب . فيقول -لمن يرجو قدرته- : فلان يعمل كذا ، فازجره عنه ، ونحو ذلك .

[ ص: 153 ] الثالث : "الاستفتاء" بأن يقول للمفتي : ظلمني فلان ، أو أبي ، أو أخي ، أو زوجي : بكذا . فهل له ذلك ؟ وما طريقي في الخلاص منه ، ودفع ظلمه عني ؟ ونحو ذلك . فهذا جائز للحاجة ، والأجود أن يقول في رجل ، أو زوج ، أو والد ، أو ولد : كان من أمره كذا . ومع ذلك : فالتعيين جائز ، لحديث "هند" وقولها : "إن أبا سفيان رجل شحيح" .

الرابع : "تحذير المسلمين من الشر" . وذلك من وجوه ؛ منها : جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين . وذلك جائز بالإجماع ، بل واجب صونا للشريعة .

ومنها الإخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته .

ومنها : إذا رأيت من يشتري معيبا ، أو عبدا سارقا ، أو زانيا ، أو شاربا ، أو نحو ذلك : تذكره للمشتري إذا لم يعلمه ، نصيحة لا بقصد الإيذاء والإفساد .

ومنها : إذا رأيت متفقها يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علما ، وخفت عليه ضرره فعليك نصيحته ببيان حاله ، قاصدا لنصحه .

ومنها : أن يكون له ولاية ، لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو لفسقه فيذكره لمن له عليه ولاية : ليستدل به على حاله ، فلا يغتر به ، ويلزم الاستقامة .

الخامس : "أن يكون مجاهرا بفسقه ، أو بدعته" كالخمر ، ومصادرة الناس ، وجباية المكوس ، وتولي الأمور الباطلة ، فيجوز ذكره بما يجاهر به ، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر .

[ ص: 154 ] السادس : "التعريف ، فإذا كان معروفا بلقب كالأعمش ، والأعرج ، والأزرق ، والقصير ، والأعمى ، والأقطع ، ونحوها : جاز تعريفه به . ويحرم ذكره به : تنقصا . ولو أمكن التعريف بغيره : كان أولى . والله أعلم .

هذا آخر كلام النووي رحمه الله . وهذا الذي ذكره من الأسباب الستة مذهب جمهور العلماء . لكن تعقبه في ذلك العلامة الرباني ، "قاضي القضاة" : محمد بن علي الشوكاني ، اليماني ، في رسالة مستقلة ، حررها في (بيان تحريم الغيبة) . وذكر لكل صورة من هذه الصور المذكورة مخرجا صحيحا . وبسط القول فيه بسطا لائقا فائقا ، لا يسع المقام لذكره . وإنما أشرنا إليه لتكون على علم من التحقيق ، وتعلم أن في هذه المسألة بحثا ، سوى ما قاله الجمهور .

قال القسطلاني : "الغيبة" بكسر المعجمة . هي ذكر المسلم غير المعلن بفجوره -في غيبته- : بما يكره . ولو بغمز ، أو بكتابة ، أو إشارة .

قال : قال النووي : وممن يستعمل التعريض في ذلك كثير من الفقهاء -في التصانيف ، وغيرها- كقولهم : قال بعض من يدعي العلم ، أو بعض من ينسب إلى الصلاح ، أو نحو ذلك ، مما يفهم السامع المراد ومنه قولهم -عند ذكره- : الله يعافينا . ونحوه ، إلا أن يكون ذلك نصحا لطالب شيئا لا يعلم عيبه ، ونحو ذلك . انتهى .

[ ص: 155 ] وقد حررنا هذا البحث في : (هداية السائل) : مترجما عن رسالة الشوكاني ، رحمه الله . فراجعه .

وما أحسن قول بعضهم : غيبة الخلق ، إنما تكون بالغيبة عن الحق . "عافانا الله تعالى" ، وجميع المسلمين من المكاره .

التالي السابق


الخدمات العلمية