السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
153 [ ص: 157 ] باب : لا يدخل الجنة قتات

وقال النووي ، في الجزء الأول : (باب بيان غلظ تحريم النميمة) .

(حديث الباب)

- وهو بصحيح مسلم النووي ، ص113 ج2 ، المطبعة المصرية

(عن همام بن الحارث ، قال : كنا جلوسا مع حذيفة -في المسجد- فجاء رجل ، حتى جلس إلينا . فقيل لحذيفة : إن هذا يرفع إلى السلطان : أشياء . فقال حذيفة -إرادة أن يسمعه- : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ يقول : "لا يدخل الجنة قتات " ) .


(الشرح)

(عن همام بن الحارث ، قال : كنا جلوسا مع حذيفة رضي الله عنه ، -في المسجد- فجاء رجل ، حتى جلس إلينا . فقيل لحذيفة : إن هذا يرفع إلى السلطان أشياء) .

وفي رواية أخرى ؛ "قال : كان رجل ينقل الحديث -إلى الأمير ، قال : وكنا جلوسا في المسجد ، فقال القوم : هذا ممن ينقل الحديث إلى الأمير . قال : فجاء ، ثم جلس إلينا" (فقال حذيفة : -إرادة أن يسمعه- : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ يقول : "لا يدخل الجنة قتات") .

[ ص: 158 ] وفي رواية أخرى ؛ (أنه بلغه أن رجلا ينم الحديث ، فقال حذيفة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ يقول : "لا يدخل الجنة نمام") . و"القتات" : هو النمام . وهو بفتح القاف وتشديد التاء .

قال الجوهري وغيره : يقال : نم الحديث ، ينمه وينمه : بكسر النون وضمها . "نما" والرجل نمام ونم .

وقته يقته بضم القاف ، "قتا" والرجل قتات

قال ابن الأعرابي : هو الذي يسمع الحديث وينقله .

قال عياض : القتات ، والنمام : واحد . وفرق بعضهم بأن "النمام" الذي يحضر القصة وينقلها ، و"القتات" : الذي يتسمع من حديث من لا يعلم به ، ثم ينقل ما سمعه .

وهل الغيبة ، والنميمة : متغايران ، أو لا ؟

والراجح : التغاير ، وأن بينهما عموما وخصوصا من وجه ؛ لأن النميمة نقل حال الشخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه . سواء كان بعلمه ، أو بغير علمه .

والغيبة : ذكره في غيبته بما يكره .

فامتازت النميمة بقصد الإفساد . ولا يشترط ذلك في الغيبة .

وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه .

واشتركا فيما عدا ذلك .

[ ص: 159 ] قال أبو حامد الغزالي "في إحياء علوم الدين" : إن النميمة إنما تطلق -في الأكثر- : على من ينم قول الغير إلى المقول فيه : كما تقول فلان يتكلم فيك بكذا .

قال : وليست النميمة مخصوصة بهذا ، بل حد النميمة كشف ما يكره كشفه . سواء كرهه المنقول عنه ، أو المنقول إليه ، أو ثالث . وسواء كان الكشف بالكناية ، أو بالرمز ، أو بالإيماء .

فحقيقة النميمة : إفشاء السر وهتك الستر : عما يكره كشفه .

فلو رآه يخفي مالا لنفسه ، فذكره فهو نميمة .

قال : وكل من حملت إليه نميمة ، وقيل له : فلان يقول فيك ، أو يفعل فيك كذا ، فعليه ستة أمور ؛

الأول : أن لا يصدقه ، لأن النمام فاسق .

الثاني : أن ينهاه عن ذلك ، وينصحه ، ويقبح له قوله .

الثالث : أن يبغضه في الله تعالى ؛ فإنه بغيض عند الله تعالى . ويجب بغض من أبغضه الله تعالى .

الرابع : أن لا يظن بأخيه الغائب : السوء .

الخامس : أن لا يحمله ما حكي له على التجسس ، والبحث عن ذلك .

السادس : أن لا يرضى لنفسه : ما نهى النمام عنه . فلا يحكي نميمة [ ص: 160 ] عنه ، فيقول : فلان حكى كذا ، فيصير به نماما . ويكون آتيا ما نهي عنه . انتهى كلام الغزالي .

قال النووي : وكل هذا المذكور في النميمة ، إذا لم يكن فيها مصلحة شرعية . فإن دعت حاجة إليها فلا منع منها .

وذلك كما إذا أخبره بأن إنسانا يريد الفتك به ، أو بأهله ، أو بماله ، أو أخبر الإمام ، أو من له ولاية بأن إنسانا يفعل كذا ، أو يسعى بما فيه مفسدة .

ويجب على صاحب الولاية الكشف عن ذلك وإزالته ، فكل هذا وما أشبهه ليس بحرام . وقد يكون بعضه واجبا ، وبعضه مستحبا على حسب المواطن . والله أعلم .

قال : وفي الحديث التأويلان المتقدمان في نظائره ؛

أحدهما : يحمل على المستحل بغير تأويل مع العلم بالتحريم .

والثاني : لا يدخلها دخول الفائزين .

التالي السابق


الخدمات العلمية