السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4721 باب في الصدق والكذب

وقال النووي : (باب قبح الكذب ، وحسن الصدق ، وفضله) .

[ ص: 163 ] (حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص160 ج16 ، المطبعة المصرية

(عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بالصدق ! فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ، ويتحرى الصدق حتى يكتب -عند الله- صديقا . وإياكم والكذب ! فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ، ويتحرى الكذب حتى يكتب -عند الله- كذابا" ) .


(الشرح)

(عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : عليكم بالصدق !) .

"الصدق" : يطلق على "صدق اللسان" ، وهو نقيض الكذب .

وعلى "الصدق في النية" وهو الإخلاص . فيراعي معنى الصدق في مناجاته ، ولا يكن ممن قال : "وجهت وجهي لله" وهو غافل ، كاذب .

وعلى "الصدق في العزم" ، على خير نواه . أي : يقوي عزمه : أنه إذا ولي مثلا : لا يظلم .

وعلى "الصدق في الوفاء بالعزم" . أي : حال وقوع الولاية مثلا .

وعلى "الصدق في الأعمال" . وأقله : استواء سريرته وعلانيته .

[ ص: 164 ] وعلى "الصدق في المقامات" ، كالصدق في الخوف والرجاء ، وغيرهما .

فمن اتصف بالستة : كان "صديقا" ، أو ببعضها : كان "صادقا" .

وقال الراغب : "الصدق" : مطابقة القول الضمير ، والمخبر عنه . فإن انخرم شرط : لم يكن "صدقا" ، بل يكون "كذبا" ، أو مترددا بينهما ، على اعتبارين كقول المنافق : "محمد رسول الله" . فإنه يصح أن يقال : "صدق" ، لكون المخبر عنه كذلك . ويصح أن يقال : "كذب" ، لمخالفة قوله لضميره .

(فإن الصدق يهدي إلى البر) . أي : يوصل إلى العمل الصالح الخالص من كل مذموم .

"والبر" : اسم جامع للخير كله . وقيل : "البر" الجنة . ويجوز أن يتناولهما جميعا .

(وإن البر يهدي إلى الجنة) .

وفي رواية أخرى : "إن الصدق بر ، وإن البر يهدي إلى الجنة" .

(وما يزال الرجل يصدق) في السر والعلانية ، ويتكرر ذلك منه ، (ويتحرى الصدق ، حتى يكتب عند الله : صديقا) : بكسر الصاد ، وتشديد الدال . وهو من أبنية المبالغة . ونظيره : "الضحيك" .

والمراد : فرط صدقه ، حتى يصدق قوله العمل . فالتنكير : للتعظيم والتفخيم . أي : بلغ في الصدق إلى غايته ، ونهايته ، حتى دخل في زمرتهم ، واستحق ثوابهم .

[ ص: 165 ] (وإياكم والكذب ! فإن الكذب يهدي) أي : يوصل (إلى الفجور . وإن الفجور يهدي إلى النار) .

قال تعالى : إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم .

"والفجور" : هو الميل عن الاستقامة . وقيل : الانبعاث في المعاصي .

(وما يزال الرجل يكذب) ، ويتكرر ذلك منه . (ويتحرى الكذب ، حتى يكتب) بضم الأولى : مبنيا للمفعول . (عند الله : كذابا) . أي : يحكم له بذلك ، ويظهره للمخلوقين من الملأ الأعلى . ويلقي ذلك في قلوب أهل الأرض ، وألسنتهم : فيستحق بذلك صفة الكذابين ، وعقابهم .

وعن ابن مسعود -مما ذكره مالك بلاغا- : "لا يزال العبد يكذب ، ويتحرى الكذب ، فينكت في قلبه : نكتة سوداء ، حتى يسود قلبه ، فيكتب عند الله من الكذابين " .

وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين . أي : في إيمانهم دون الكاذبين والمنافقين .

قال النووي : قال العلماء : هذا الحديث ، فيه حث على تحري الصدق : وهو قصده ، والاعتناء به ، وعلى التحذير من الكذب ، والتساهل [ ص: 166 ] فيه ، فإنه إذا تساهل فيه كثر منه فعرف به .

وكتبه الله لمبالغته : "صديقا" ، إن اعتاده . "أو كذابا" : إن اعتاده .

ومعنى "يكتب" : يستحق الوصف : بمنزلة الصديقين ، وثوابهم ، أو صفة الكذابين وعقابهم ، وإلا ؛ فقدر الله تعالى وكتابه السابق : قد سبق بكل ذلك .

قال : واعلم أن الموجود في جميع نسخ البخاري ، ومسلم : ببلادنا ، وغيرها : أنه ليس في متن الحديث ، إلا ما ذكرناه . وكذا نقله عياض : عن جميع النسخ . وكذا نقله الحميدي .

ونقل "أبو مسعود الدمشقي" ، عن كتاب مسلم ، في حديث ابن مثنى ، وابن بشار : زيادة : "وإن شر الروايا : روايا الكذب ، وإن الكذب لا يصلح منه جد ، ولا هزل . ولا يعد الرجل صبيه ، ثم يخلفه" .

وذكر أبو مسعود : أن "مسلما" روى هذه الزيادة ، في كتابه .

وذكرها أيضا : أبو بكر البرقاني ، في هذا الحديث .

قال الحميدي : وليس عندنا في كتاب مسلم .

[ ص: 167 ] قال عياض : "الروايا" جمع : "روية" . وهي ما يتروى فيه الإنسان ، ويستعد به أمام عمله وقوله .

قال : وقيل : جمع : "راوية" . أي : حامل ، وناقل له . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية