السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4717 باب ما يجوز فيه الكذب

وقال النووي : (باب تحريم الكذب ، وبيان ما يباح منه) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص157 ج16 ، المطبعة المصرية

(عن ابن شهاب ؛ أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف : أن أمه "أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط" ، -وكانت من المهاجرات الأول ، اللاتي بايعن النبي صلى الله عليه وسلم- ، أخبرته : أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وهو يقول : "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ، ويقول خيرا ، وينمي خيرا" .

قال ابن شهاب : ولم أسمع يرخص - في شيء ، مما يقول الناس- : كذب ، إلا في ثلاث : الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها) .


[ ص: 168 ] (الشرح)

(عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها . وكانت من المهاجرات الأول ، اللاتي بايعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم ؛ وهو يقول : "ليس الكذاب : الذي يصلح بين الناس ، ويقول خيرا ، أو ينمي خيرا") .

معناه : ليس الكذاب المذموم الذي يصلح بين الناس ، بل هذا محسن .

(قال ابن شهاب : ولم أسمع يرخص -في شيء مما يقول الناس- : كذب ، إلا في ثلاث : الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها) .

قال عياض : لا خلاف في جواز الكذب ، في هذه الصورة .

واختلفوا في المراد بالكذب المباح ، فيها . ما هو ؟

فقالت طائفة : هو على إطلاقه . وأجازوا : قول ما لم يكن في هذه المواضيع للمصلحة . وقالوا : الكذب المذموم ما فيه مضرة .

[ ص: 169 ] واحتجوا بقول إبراهيم "عليه السلام" : بل فعله كبيرهم و إني سقيم وقوله : إنها أختي . وقول منادي يوسف : أيتها العير إنكم لسارقون .

قالوا : ولا خلاف أنه ؛ لو قصد ظالم قتل رجل ، هو عنده مختف : وجب عليه الكذب ، في أنه لا يعلم أين هو .

وقال آخرون منهم الطبري : لا يجوز الكذب في شيء أصلا . قالوا : وما جاء من الإباحة في هذا ، المراد به : التورية ، واستعمال المعاريض ، لا صريح الكذب . مثل أن يعد زوجته : أن يحسن إليها ، ويكسوها كذا . وينوي : إن قدر الله ذلك .

وحاصله : أن يأتي بكلمات محتملة ، يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه . وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاما جميلا . ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك . وورى . وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه : "مات إمامكم الأعظم" . وينوي : إمامهم في الأزمان الماضية .

أو "غدا يأتينا مدد" أي : طعام ، ونحو هذا ، من المعاريض المباحة .

فكل هذا جائز . وتأولوا قصة إبراهيم ، ويوسف ، وما جاء من هذا : على المعاريض . والله أعلم .

[ ص: 170 ] وأما كذبه لزوجته ، وكذبها له فالمراد به في إظهار الود ، والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك .

فأما المخادعة في منع ما عليه ، أو عليها ، أو أخذ ما ليس له أولها فهو حرام بإجماع المسلمين .

(وفي رواية : "قالت : ولم أسمعه يرخص في شيء ، مما يقول الناس ، إلا في ثلاث") . أي : بمثل ما جعله "يونس" من قول ابن شهاب الزهري .

التالي السابق


الخدمات العلمية