السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4682 باب النهي عن دعوى الجاهلية

وهو في النووي ، في (باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص138 ج16 ، المطبعة المصرية

(عن سفيان بن عيينة ، قال : سمع عمرو جابر بن عبد الله يقول : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ؛ في غزاة . فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ! وقال المهاجري : يا للمهاجرين !

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما بال
دعوى الجاهلية ؟" قالوا : يا رسول الله ! كسع رجل من المهاجرين : رجلا من [ ص: 171 ] الأنصار . فقال : "دعوها فإنها منتنة" .

فسمعها عبد الله بن أبي ، فقال : قد فعلوها ؟ والله ! لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل .

قال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال : "دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه"
) .


(الشرح)

(عن جابر رضي الله عنه ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ في غزاة . فكسع رجل من المهاجرين : رجلا من الأنصار) أي : ضرب دبره وعجيزته : بيد ، أو رجل ، أو سيف ، وغيره .

(فقال الأنصاري : يا للأنصار ! وقال المهاجر" : يا للمهاجرين ! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "ما بال دعوى الجاهلية ؟" قالوا : يا رسول الله ! كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار . فقال : "دعوها فإنها منتنة") أي : قبيحة ، كريهة ، مؤذية .

(فسمعها عبد الله بن أبي ، فقال : قد فعلوها ؟ والله ! لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . قال عمر : دعني أضرب عنق هذا المنافق . فقال : "دعه . لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه") .

[ ص: 172 ] فيه : ما كان عليه صلى الله عليه وآله وسلم من الحلم .

وفيه : ترك بعض الأمور المختارة ، والصبر على بعض المفاسد : خوفا من أن يترتب على ذلك مفسدة أعظم منه .

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يتألف الناس ، ويصبر على جفاء الأعراب والمنافقين وغيرهم لتقوى شوكة المسلمين ، وتتم دعوة الإسلام ، ويتمكن الإيمان من قلوب المؤلفة ، ويرغب غيرهم في الإسلام .

وكان يعطيهم الأموال الجزيلة لذلك . ولم يقتل المنافقين لهذا المعنى ، ولإظهارهم الإسلام . وقد أمر بالحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر . ولأنهم كانوا معدودين في أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم . ويجاهدون معه : إما حمية ، وإما لطلب دنيا ، أو عصبية لمن معه من عشائرهم .

قال عياض : واختلف العلماء ؛ هل بقي حكم الإغضاء عنهم ، وترك قتالهم ؟ أو نسخ ذلك عند ظهور الإسلام ، ونزول قوله تعالى : جاهد الكفار والمنافقين ، وأنها ناسخة لما قبلها ؟

وقيل "قول ثالث" : إنه إنما كان العفو عنهم ، ما لم يظهروا نفاقهم ، فإذا أظهروه قتلوا . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية