السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4167 باب النهي عن سب الدهر

ومثله في (النووي) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص3 ج16 ، المطبعة المصرية

(عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم ؛ يقول : يا خيبة الدهر ! فلا يقولن أحدكم : يا خيبة الدهر ! فإني ، أنا الدهر ، أقلب ليله ، ونهاره . فإذا شئت قبضتهما" ) .


[ ص: 175 ] (الشرح)

(عن أبي هريرة) رضي الله عنه ؛ (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : قال الله تبارك وتعالى : يؤذيني ابن آدم) أي : يعاملني معاملة توجب الأذى في حقكم .

(يقول : يا خيبة الدهر ! فلا يقول أحدكم : يا خيبة الدهر !) .

وفي البخاري : بحذف "يا" كأنه فقد الدهر ، لما يصدر عنه مما يكرهه : فندبه متفجعا عليه ، أو متوجعا منه . أو هو دعاء عليه بالخيبة .

وعند مسلم ، في رواية أخرى : "وادهراه ! وادهراه !" .

"والخيبة" : الحرمان والخسران . يقال : "خاب يخيب" . وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل .

(فإني أنا الدهر) أي : الفاعل لما يحدث فيه .

روي : برفع الراء . هذا هو الصواب المعروف ؛ الذي قاله الشافعي ، وأبو عبيد ، وجماهير المتقدمين والمتأخرين .

وقال أبو بكر ، ومحمد بن داود الأصبهاني ، الظاهري : إنما هو "الدهر" بالنصب ، على الظرف . أي أنا ، مدة الدهر .

[ ص: 176 ] (أقلب ليله ونهاره) .

وحكى ابن عبد البر : هذه الرواية ، عن بعض أهل العلم . وقال النحاس : يجوز النصب . أي : فإن الله باق مقيم أبدا ، لا يزول .

وقال بعضهم : هو منصوب على التخصيص . والظرف : أصح وأصوب .

أما رواية الرفع ، وهي الصواب فموافقة لقوله : "فإن الله هو الدهر" .

قال العلماء : وهو مجاز . وسببه أن العرب كان شأنها أن تسب الدهر عند النوازل ، والحوادث ، والمصائب النازلة بها من موت ، أو هرم ، أو تلف مال ، أو غير ذلك ، فيقولون : "يا خيبة الدهر" ونحو هذا ، من ألفاظ سب الدهر . فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "لا يقولن أحدكم" هذه الكلمة ونحوها : "فإن الله هو الدهر" . أي : فاعل الحوادث .

(فإذا شئت قبضتهما) أي : الليل والنهار .

قال في "بهجة النفوس" : لا يخفى أن من سب الصنعة فقد سب صانعها . فمن سب الليل والنهار أقدم على أمر عظيم بغير معنى . ومن سب ما يقع فيهما من الحوادث - وذلك أغلب ما يقع من الناس- : فلا شيء في ذلك . انتهى .

[ ص: 177 ] وقال جماعة من المحققين : من نسب "شيئا من الأفعال" إلى الدهر حقيقة كفر . ومن جرى هذا اللفظ على لسانه غير معتقد لذلك فليس بكافر . لكن يكره له ذلك ، لتشبهه بأهل الكفر ، في الإطلاق .

وقال عياض : زعم بعض من لا تحقيق عنده : أن "الدهر" من أسماء الله تعالى . وهو غلط . فإن "الدهر" مدة زمان الدنيا . انتهى .

وهذا الحديث ، له ألفاظ وطرق في الصحيحين ؛

منها : حديث عند مسلم ؛ "قال الله وجل : يسب ابن آدم الدهر ، وأنا الدهر بيدي الليل والنهار" .

وعنده أيضا بلفظ : "قال الله : يؤذيني ابن آدم ؛ يسب الدهر ، وأنا الدهر ، أقلب الليل والنهار" .

وفي رواية : "ولا يقولن أحدكم : يا خيبة الدهر ! فإن الله هو الدهر" .

وفي البخاري ، بلفظ : "يسب بنو آدم الدهر إلخ" .

وعند أحمد ، بسند صحيح ، عن أبي هريرة : "لا تسبوا الدهر ؛ فإن الله تعالى ، قال : أنا الدهر ، الأيام والليالي لي أجددها وأبليها ، وآتي بملوك بعد ملوك" .

[ ص: 178 ] فإذا سب ابن آدم الدهر ، على أنه فاعل هذه الأمور عاد السب إلى الله تعالى ، لأنه هو الفاعل . والدهر إنما هو ظرف لمواقع هذه الأمور . فالمعنى : أنا مصرف الدهر . فحذف اختصارا للفظ ، واتساعا في المعنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية