السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4823 باب : هلك المتنطعون

وذكره النووي في : (باب النهي عن متشابه القرآن ، والتحذير من متبعيه ، والنهي عن الاختلاف في القرآن) . من كتاب العلم .

[ ص: 197 ] (حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص220 ج16 ، المطبعة المصرية

(عن الأحنف بن قيس ، عن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ "هلك المتنطعون" . قالها ثلاثا ) .


(الشرح)

(عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "هلك المتنطعون" . قالها ثلاثا) .

قال النووي : "المتنطعون" : المتعمقون ؛ الغالون ، المجاوزون الحدود : في أقوالهم ، وأفعالهم .

وقال المناوي -في شرح الجامع الصغير- : أي المتقعرون في الكلام ، الذين يرومون بجودة سبكه : سبي قلوب الناس . أو أراد : "الغالين في عبادتهم" ، بحيث تخرج عن قوانين الشرع . قال الغزالي : أولئك قوم ، شددوا على أنفسهم : فشدد الله عليهم .

قال : ومن ذلك : حال الموسوس ، وأنت ما أمرت : أن تصلي ، وأنت متطهر ، وثوبك طاهر . بل تصلي ، وتعتقد : أنك متطهر ، وثوبك طاهر . وقد توضأ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : من مزادة مشرك . وعمر : من جرة نصرانية . ولو عطشوا لشربوا منه . وشرب النجس حرام . وكذا كل ما صادفته في يد رجل مجهول : لك الأكل منه ، تحسينا للظن به . انتهى .

[ ص: 198 ] وأقول : لا وجه لتخصيص بعض الأحوال ، والأفعال : بمصداق هذا الحديث . بل كل شيء وجد فيه التعمق : عبادة كانت ، أو معاملة ، أو عادة . وسواء كان في الظاهر ، أو في الباطن ، أو في العقائد ، أو في العمل . وكان الحق والصواب ، الثابت بالكتاب والسنة : خلافه ؛ فالحديث يشمله ، ويحتوي عليه . وصاحبه مقضي عليه بالهلاك .

وإطلاق "الهالك" على : المتنطع ، المتعمق ، المتقعر : يدل على النهي عن ذلك . والنهي حقيقة في التحريم . فالغلو والتشدد في كل شيء موجب لهلاك صاحبه .

ومن هذا الوادي : تعمق الناس في تقليدات الرجال ، وإيثار الرأي والهوى : على منصوصات القرآن ، والحديث . وتأويل ما خالف منهما : قول إمامهم -مع وجوب الرد إلى الله ، ورسوله ، عند التنازع ، فيما بينهم- .

وقد تنطع كثير من أهل العلم ، في كثير من أبواب العقائد ، والأعمال . وكثير من أهل الباطن : في توحيد الرب ذي الإكرام والجلال . حتى أفضاهم ذلك إلى القول : بوحدة الوجود .

وهكذا وقع فيه : جمع جم من أهل الكلام ، والجدل ، والخلاف . حتى أضلهم هذا المكروه المنهي عنه : عن جادة الإخلاص ، والصواب .

والحاصل : أن كل ما يصدق عليه -لغة ، أو شرعا- : أنه "تنطع في الدين ، وتعمق في أحكام الشرع المبين" : فهو يدخل تحت هذا الحديث ، دخولا أوليا . وما أجمعه للمعاني ، من كل باب من البدع ، [ ص: 199 ] والحوادث ، وغير ذلك ! فاشدد يديك على منطوقه ، ومفهومه . واعرض ظاهرك وباطنك : عليه ، حتى يميز الله لك الخبيث من الطيب ، وتعرف ما هو صواب ويسر ، وتنكر ما هو تعمق وخوض وعسر . وبالله التوفيق ، وهو المستعان .

التالي السابق


الخدمات العلمية