السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4705 باب في جعل دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، على المؤمنين :

زكاة ورحمة

وقال النووي : (باب من لعنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو سبه ، أو دعا عليه . أو ليس هو أهلا لذلك : كان له زكاة وأجرا ، ورحمة) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص150 ج16 ، المطبعة المصرية (عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلان ، فكلماه بشيء ، لا أدري ما هو ، فأغضباه ، فلعنهما وسبهما . فلما خرجا ، قلت : يا رسول الله ! لمن أصاب من الخير شيئا ، ما أصابه هذان . قال : "وما ذاك" قالت : قلت : لعنتهما ، -وسببتهما- . فقال : "أو ما علمت : ما شارطت عليه ربي ؟ قلت : اللهم ! إنما أنا بشر . فأي المسلمين لعنته ، أو سببته : فاجعله له زكاة ، وأجرا" ) .


[ ص: 200 ] (الشرح)

فيه : ما كان عليه صلى الله عليه وآله وسلم : من الشفقة على أمته ، والاعتناء بمصالحهم ، والاحتياط لهم ، والرغبة في كل ما ينفعهم .

قال النووي : وإنما يكون دعاؤه عليه : رحمة وكفارة ، وزكاة ، ونحو ذلك : إذا لم يكن أهلا : للدعاء عليه ، والسب ، واللعن ، ونحوه . وكان مسلما . وإلا ، فقد دعا صلى الله عليه وآله وسلم على الكفار ، والمنافقين ، ولم يكن لهم ذلك "رحمة" .

فإن قيل : كيف يدعو على من ليس هو بأهل للدعاء عليه ، أو يسبه ، أو يلعنه ، ونحو ذلك ؟

فالجواب : ما أجاب به العلماء . ومختصره وجهان ؛

أحدهما : أن المراد : ليس بأهل لذلك ، عند الله تعالى . وفي باطن الأمر . ولكنه في الظاهر : مستوجب له . فيظهر له صلى الله عليه وآله وسلم : استحقاقه لذلك ، بأمارة شرعية . ويكون في باطن الأمر : ليس أهلا لذلك . وهو صلى الله عليه وآله وسلم ، مأمور بالحكم بالظاهر . والله يتولى السرائر .

والثاني : أن ما وقع من سبه ، ودعائه ، ونحوه : ليس بمقصود . بل هو مما جرت به عادة العرب ، في وصل كلامها بلا نية ، كقوله : "تربت يمينك . وعقرى وحلقى" وفي حديث آخر : "لا كبرت سنك" . وفي [ ص: 201 ] حديث معاوية : "لا أشبع الله بطنه" . ونحو ذلك . يقصدون بشيء من ذلك : حقيقة الدعاء . فخاف صلى الله عليه وآله وسلم ؛ أن يصادف شيء من ذلك إجابة . فسأل ربه "سبحانه وتعالى" ، ورغب إليه في أن يجعل ذلك رحمة ، وكفارة ، وقربة ، وطهورا .

وإنما كان يقع هذا منه في النادر ، والشاذ من الأزمان . ولم يكن صلى الله عليه وآله وسلم فاحشا ، ولا متفحشا ، ولا لعانا ، ولا منتقما لنفسه .

وفي حديث آخر : (أنهم قالوا : ادع على دوس ، فقال : "اللهم ! اهد دوسا" وقال : "اللهم ! اغفر لقومي ، فإنهم لا يعلمون") . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية