السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4712 (باب منه)

وهو في النووي ، في (الباب الذي سبق) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص154 ،155 ج16 ، المطبعة المصرية

(حدثني زهير بن حرب ، وأبو معن الرقاشي ، (واللفظ لزهير) قالا : حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عكرمة بن عمار ؛ حدثنا إسحاق بن أبي طلحة ؛ حدثني أنس بن مالك ، قال : كانت عند أم سليم : يتيمة . [ ص: 202 ] -وهي أم أنس- . فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة ، فقال : "آنت هيه ؟ لقد كبرت ، لا كبر سنك" . فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي . فقالت أم سليم : ما لك ؟ يا بنية !

قالت الجارية : دعا علي نبي الله صلى الله عليه وسلم : أن لا يكبر سني . فالآن لا يكبر سني أبدا -أو قالت : قرني- فخرجت أم سليم ، مستعجلة ، تلوث خمارها ، حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما لك يا أم سليم ؟ !" فقالت : يا نبي الله ! أدعوت على يتيمتي ؟ قال : "وما ذاك يا أم سليم ؟ !" . قالت : زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها ، ولا يكبر قرنها . قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم قال : "يا أم سليم ! أما تعلمين أن شرطي على ربي ؛ أني اشترطت على ربي ، فقلت :
إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر . وأغضب كما يغضب البشر . فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه ، يوم القيامة"
.

وقال أبو معن : "يتيمة" بالتصغير ، في المواضع الثلاثة ، من الحديث) .


(الشرح)

(عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : كانت عند أم سليم رضي الله عنها ، يتيمة . وهي أم أنس) يعني : "أم سليم" هي أم أنس .

[ ص: 203 ] (فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اليتيمة ، فقال : "آنت هيه ؟) بفتح الياء ، وإسكان الهاء . وهي هاء السكت .

(لقد كبرت ، لا كبر سنك) . لم يرد به حقيقة الدعاء ، بل هو جار على ما قدمناه ، في ألفاظ هذا الباب .

(فرجعت اليتيمة إلى أم سليم ، تبكي . فقالت أم سليم : ما لك يا بنية ؟ ! قالت الجارية : دعا علي نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يكبر سني . فالآن لا يكبر سني أبدا . -أو قالت : قرني-) بفتح القاف . وهو نظيرها في العمر .

قال عياض : معناه لا يطول عمرها . لأنه إذا طال عمره ، طال عمر قرنه .

قال النووي : وهذا الذي قاله فيه نظر ، لأنه لا يلزم من طول عمر أحد القرنين طول عمر الآخر . فقد يكون سنهما واحدا ، ويموت أحدهما قبل الآخر .

(فخرجت أم سليم مستعجلة ، تلوث خمارها) أي : تديره على رأسها .

(حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما لك ؟ يا أم سليم ! فقالت : يا نبي الله ! أدعوت على يتيمتي ؟ قال : وما ذاك يا أم سليم ؟ ! فقالت : [ ص: 204 ] زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها -أو لا يكبر قرنها- : قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . ثم قال : "يا أم سليم ! أما تعلمين شرطي على ربي ؟ إني اشترطت على ربي ، فقلت : إنما أنا بشر ، أرضى كما يرضى البشر ، وأغضب كما يغضب البشر) .

قد يقال : ظاهره أن السب ونحوه ، كان بسبب الغضب .

وجوابه : ما ذكره المازري ، قال : يحتمل أنه صلى الله عليه وآله وسلم ، أراد : أن دعاءه ، وسبه ، وجلده ، كان مما يخير فيه بين أمرين ؛ أحدهما : هذا الذي فعله .

والثاني : زجره بأمر آخر . فحمله الغضب لله تعالى على أحد الأمرين ، المتخير فيهما . وهو سبه ، أو لعنه وجلده ، ونحو ذلك . وليس ذلك خارجا عن حكم الشرع . والله أعلم .

(فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن تجعلها له طهورا وزكاة ، وقربة تقربه بها منك يوم القيامة) . سبق شرحه قريبا .

[ ص: 205 ] (وقال أبو معن "يتيمة" بالتصغير ، في المواضع الثلاثة ، من الحديث) .

وفي حديث آخر ؛ "اللهم ! إني أتخذ عندك عهدا ، لن تخلفنيه -فإنما أنا بشر- ، فأي المؤمنين آذيته : شتمته ، لعنته ، جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة ، وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة" .

وهذه الرواية لها ألفاظ وطرق ، كلها تدل على هذا المعنى المراد .

التالي السابق


الخدمات العلمية