السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4884 (باب منه)

وهو في النووي، في (باب الدعاء عند النوم) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 32، 33 جـ 17، المطبعة المصرية

(عن سعد بن عبيدة حدثني البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل اللهم إني أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت [ ص: 605 ] واجعلهن من آخر كلامك فإن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة قال فرددتهن لأستذكرهن فقلت آمنت برسولك الذي أرسلت قال قل آمنت بنبيك الذي أرسلت ) .


(الشرح)

(عن البراء بن عازب، رضي الله عنهما؛ أن رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم؛ قال: إذا أخذت مضجعك) بفتح الميم. أي: إذا أردت النوم، في مضجعك، وأردت أن تأتي موضع نومك: (فتوضأ وضوءك) : كوضوئك (للصلاة. ثم اضطجع على شقك) : بكسر الشين. أي: جانبك (الأيمن) .

فيه: ثلاث سنن مهمة، مستحبة، ليست بواجبة؛

إحداها: الوضوء عند إرادة النوم. فإن كان متوضئا: كفاه ذلك الوضوء، لأن المقصود: النوم على طهارة، مخافة: أن يموت في ليلته. وليكون أصدق لرؤياه، وأبعد من تلعب الشيطان به: في منامه، وترويعه إياه.

قال مجاهد: قال لي " ابن عباس ": لا تبيتن إلا على وضوء. فإن [ ص: 606 ] الأرواح: تبعث على ما قبضت عليه.

الثانية: النوم على الشق الأيمن، لأن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، كان يحب التيامن. ولأنه: أسرع إلى الانتباه، والاستيقاظ: لتعلق القلب إلى جهة اليمين، فلا يثقل بالنوم.

والثالثة: ذكر الله تعالى، ليكون خاتمة عمله: قوله صلى الله عليه وآله وسلم الآتي: "اللهم ! إلخ".

(ثم قل) هذا الدعاء: (اللهم ! إني أسلمت وجهي إليك) . وفي رواية أخرى: "أسلمت نفسي إليك". أي: استسلمت، وجعلت نفسي: منقادة لك، طائعة لحكمك. إذ لا قدرة لي على تدبيرها، ولا على جلب ما ينفعها: إليها. ولا على دفع ما يضرها: عنها.

قال أهل العلم: الوجه، والنفس - هنا - بمعنى "الذات كلها".

يقال: "سلم، وأسلم، واستسلم". بمعنى.

(وفوضت أمري إليك) . قال تعالى: { وأفوض أمري إلى الله } .

(وألجأت ظهري إليك) أي: توكلت عليك، لتعينني على ما ينفعني. واعتمدت في أمري كله، لتكفيني همه، وتتولى صلاحه. كما يعتمد الإنسان بظهره: إلى ما يسنده. ومن أسند إلى شيء: تقوى به.

(رغبة ورهبة إليك) أي: طمعا: في رفدك، وثوابك. وخوفا: من أليم عذابك، وشديد عقابك.

[ ص: 607 ] فيه: أن العبادة، مع الرجاء والخوف: صحيحة، لا مطعن فيها. بل ورد الأمر بهما: في القرآن، والحديث.

(لا ملجأ) أي: لا مهرب. (ولا منجا) أي: لا مخلص. (منك إلا إليك) .

قال الكرماني: هذان اللفظان إن كانا مصدرين: يتنازعان في "منك". وإن كانا ظرفين: فلا. إذ "اسم المكان". لا يعمل. وتقديره: لا ملجأ منك: إلا إليك. ولا منجا منك: إلا إليك.

ويجوز همز "منجا" للازدواج. وأن يترك الهمز فيهما. وأن يهمز المهموز، ويترك الآخر.

(آمنت) بكتابك. أي: القرآن (الذي أنزلت) على رسولك، صلى الله عليه وآله وسلم. وهو يتضمن: الإيمان بجميع كتب الله المنزلة.

(ونبيك) محمد، صلى الله عليه وآله وسلم: (الذي أرسلت) والإيمان به: مستلزم للإيمان بكل الأنبياء.

(واجعلهن: من آخر كلامك) ، تلك الليلة.

(فإن مت - من ليلتك -: مت، وأنت على الفطرة) أي: دين الإسلام.

لا يقال: إذا مات الإنسان على إسلامه، ولم يكن ذكر من هذه الكلمات شيئا: فقد مات على الفطرة. فما فائدة ذكر هؤلاء الكلمات؟

[ ص: 608 ] لأن الفطرة تتنوع. ففطرة القائلين: فطرة المقربين الصالحين. وفطرة الآخرين: فطرة عامة المؤمنين.

ورد: بأنه يلزم أن يكون للقائلين: فطرتان، فطرة المؤمنين، وفطرة المقربين.

وأجيب: بأنه لا يلزم ذلك. بل إن مات القائلون: فهم على فطرة المقربين. وغيرهم: لهم فطرة غيرهم. انتهى.

وعند أحمد "بني له بيت، في الجنة" بدل قوله: "مات على الفطرة".

(قال: فرددتهن، لأستذكرهن) ؛ أي: الكلمات؛ (فقلت: آمنت برسولك، الذي أرسلت. قال: "قل: آمنت بنبيك، الذي أرسلت") .

قال النووي : اختلف العلماء، في سبب إنكاره، صلى الله عليه وآله وسلم، ورده اللفظ؛ فقيل: إنما رده، لأن قوله: "آمنت برسولك": يحتمل غير النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، من حيث اللفظ.

واختار المازري، وغيره: أن سبب الإنكار: أن هذا ذكر ودعاء، فينبغي فيه: الاقتصار على اللفظ الوارد بحروفه. وقد يتعلق الجزاء: بتلك [ ص: 609 ] الحروف. ولعله أوحي إليه، صلى الله عليه وآله وسلم: بهذه الكلمات، فيتعين أداؤها بحروفها. وهذا القول حسن.

وقيل: لأن قوله: "ونبيك الذي أرسلت، فيه: جزالة من حيث صنعة الكلام. وفيه: جمع النبوة، والرسالة. فإذا قال: "رسولك الذي أرسلت": فات هذان الأمران، مع ما فيه من تكرير "لفظ رسول، وأرسلت". وأهل البلاغة: يعيبونه. ولا يلزم من الرسالة: "النبوة"، ولا عكسه.

قال: واحتج العلماء بهذا الحديث: لمنع الرواية بالمعنى. وجمهورهم: على جوازها، من العارف. ويجيبون عن هذا الحديث: بأن المعنى هنا، مختلف. ولا خلاف في المنع، إذا اختلف المعنى. انتهى.

قلت: لو قالوا: يمنع "رواية الدعاء، بالمعنى، ويجوز غيرها: لكان أجمع، وحصل به التوفيق بين المذهبين؛ فإن للفظ النبوة أثرا ليس في غيره، بخلاف غير الدعاء. فإن المراد هناك: تأدية المعنى الشرعي فقط. وقد سبق مثل هذا: عن المازري، قريبا. وحسنه النووي . والله أعلم.

وزاد في حديث حصين: "وإن أصبح: أصاب خيرا".

[ ص: 610 ] يعني: إن مات - بعد هذا الدعاء -: مات على الإسلام، ودخل الجنة. وإن لم يمت، وأصبح حيا: أصبح على الخير، والسلامة، والكرامة.

وكلتا الحالتين: حسنة. وفي رواية أخرى: "وإن أصبحت: أصبت خيرا".

التالي السابق


الخدمات العلمية