السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4939 باب في سعة رحمة الله تعالى، وأنها تغلب غضبه

ومثله: في النووي

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 68، ج 17، المطبعة المصرية

(عن أبي هريرة، رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله: صلى الله عليه) وآله (وسلم: «لما قضى الله الخلق، كتب في كتابه على نفسه - فهو موضوع عنده -: إن رحمتي تغلب غضبي»

وفي رواية أخرى: «لما خلق الله الخلق: كتب في كتابه - فهو عنده، فوق العرش - إلخ».

وفي أخرى: «قال: قال الله عز وجل سبقت رحمتي غضبي »).


[ ص: 62 ] (الشرح)

فيه: أن الله تعالى، أوجب على نفسه: الرحمة من غير إيجاب أحد، وكتبه في كتاب (هو عنده، فوق العرش العظيم). وهذا يدل: على العندية، والعلو، والفوقية. ونحن نؤمن به، بلا كيف ولا تمثيل. ولا ننكره، ولا نؤوله: كأهل الكلام.

وهذا هو سبيل السلف: في مسائل الصفات.

وكذا لا نرضى بتأويل «الغضب»، المسند إليه تعالى. بل نكله إليه سبحانه، ونؤمن به كما جاء. وما لنا والخوض في معاني صفاته العليا، وذاته المقدسة ؟ وإن كان تأويل بعضهم: يوافق - في علم الله - بما أراد الله. ولكن لم يوجب الله، ولا رسوله، علينا: أن نؤول ما ورد في هذا الباب.

ويكفينا - في نفي التشبيه، والتمثيل -: الإيمان، والاعتراف بقوله سبحانه: ليس كمثله شيء ولم يكن له كفوا أحد .

وأما النووي «رحمه الله تعالى»، فيسلك في ذلك: مسلك المتكلمين، ويمشي فيها مشي الخلف المؤولين). فيحرر مذهبهم «تحت كل حديث، من أحاديث الصفات»، ويطول، ويؤيد، ويقوي - عفا الله عنا وعنه: بمنه وكرمه - ومن هذا الوادي: ما قال هنا. وهو [ ص: 63 ] قوله: قال العلماء: «غضب الله، ورضاه) يرجعان إلى معنى «الإرادة».

فإرادته: الإثابة للمطيع، ومنفعة العبد: تسمى «رضا، ورحمة» وإرادته: عقاب العاصي، وخذلانه: تسمى «غضبا». وإرادته «سبحانه وتعالى»: صفة له قديمة، يريد بها: جميع المرادات.

قال: قالوا: والمراد «بالسبق، والغلبة هنا»: كثرة الرحمة، وشمولها. كما يقال: «غلب على فلان: الكرم، والشجاعة»: إذا كثرا منه. انتهى.

والحديث: دليل على سبق الرحمة، وغلبتها: على الغضب والسخط. وهذا هو اللائق بشأن أرحم الراحمين.

ولولا ذلك: لكنا جميعا خاسرين هالكين.

نعوذ بالله: من غضب الله. ونتوب إليه: من سخطه. ونرجو: رحمته، وكرمه، وفضله، ولطفه. وما أحقه بذلك، كله !

التالي السابق


الخدمات العلمية