السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4944 (باب منه)

وهو في النووي، في (الباب المتقدم).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 69 ج 17، المطبعة المصرية

(عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إن لله مائة رحمة. أنزل منها: رحمة واحدة - بين الجن، والإنس، والبهائم،

[ ص: 64 ] والهوام
فبها: يتعاطفون. وبها: يتراحمون. وبها: تعطف الوحش على ولدها. وأخر الله، تسعا وتسعين رحمة، يرحم بها عباده، يوم القيامة»).



(الشرح)

(عن أبي هريرة، رضي الله عنه)، عن النبي صلى الله عليه) وآله (وسلم ؛ قال: إن لله مائة رحمة).

«الرحمة» في الأصل بمعنى: «الرقة الطبيعية، والميل الجبلي». وهذا من صفات الآدميين.

فهو من الباري تعالى: محمول على الإرادة، فيكون من صفات الذات. أو على فعل الإكرام، فيكون من صفات الأفعال.

ومنهم: من يحملها، على إرادة الخير.

ومنهم: من يحملها، على فعل الخير. ثم بعد ذلك: يتعين أحد التأويلين، في بعض السياقات، لمانع يمنع من الآخر.

فهاهنا يتعين تأويل الرحمة: «بفعل الخير» لتكون صفة فعل. فتكون حادثة (عند الأشعري) فيتسلط الخلق عليها.

ولا يصح هنا: تأويلها بالإرادة، لأنها - إذ ذاك - من صفات الذات، فتكون قديمة، فيمتنع تعلق الخلق بها.

[ ص: 65 ] ويتعين تأويلها بالإرادة، في قوله تعالى: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم .

لأنك لو حملتها على الفعل: لكانت العصمة بعينها. فيكون استثناء الشيء من نفسه.

هكذا قالوا: والله أعلم بالصواب.

(أنزل منها: رحمة واحدة - بين الجن، والإنس، والبهائم، والهوام - فبها: يتعاطفون. وبها: يتراحمون. وبها: تعطف الوحش على ولدها.

وأخر الله: تسعا وتسعين رحمة، يرحم بها عباده، يوم القيامة).

وفي رواية أخرى، يرفعه: « جعل الله الرحمة: مائة جزء؛ فأمسك عنده: تسعة وتسعين. وأنزل في الأرض: جزءا واحدا فمن ذلك الجزء: يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها، خشية أن تصيبه» .

وفي أخرى: « خلق الله مائة رحمة: فوضع واحدة في خلقه وخبأ عنده: مائة إلا واحدة ».

وفي حديث «سلمان الفارسي»، عند مسلم أيضا ؛ يرفعه: « إن لله [ ص: 66 ] مائة رحمة؛ فمنها رحمة بها: يتراحم الخلق بينهم. وتسعة وتسعون: ليوم القيامة ».

وفي حديثه، عنده أيضا، مرفوعا، بلفظ: « إن الله خلق - يوم خلق السماوات والأرض -: مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض. فجعل منها في الأرض: رحمة، فبها: تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير - بعضها على بعض - فإذا كان يوم القيامة أكملها: بهذه الرحمة».

قال النووي «رحمه الله»: هذه الأحاديث، من أحاديث الرجاء والبشارة للمسلمين. قال العلماء: لأنه، إذا حصل للإنسان، من رحمة واحدة - في هذه الدار، المبنية على الأكدار -: الإسلام والقرآن، والصلاة، والرحمة في قلبه، وغير ذلك: مما أنعم الله تعالى به. فكيف الظن بمائة رحمة، في الدار الآخرة، وهي دار القرار، ودار الجزاء ؟ قال: هكذا وقع في نسخ بلادنا جميعا: «جعل الله الرحمة: مائة جزء).

وذكر عياض: «جعل الله الرحم»: بضم الراء، وحذف الهاء. قال: ورويناه: بضم الراء، ويجوز فتحها. ومعناه «الرحمة». انتهى.

التالي السابق


الخدمات العلمية