السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
5043 باب: لن ينجي أحدا عمله

وقال النووي: (باب: لن يدخل أحد الجنة، بعمله. بل برحمة الله تعالى).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 161ج 17، المطبعة المصرية

(عن عائشة - زوج النبي، صلى الله عليه وسلم - ؛ أنها كانت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سددوا، وقاربوا، وأبشروا؛ فإنه لن يدخل الجنة أحدا عمله».

قالوا: ولا أنت ؟ يا رسول الله! قال: «ولا أنا. إلا أن يتغمدني الله منه: برحمة. واعلموا: أن أحب العمل إلى الله: أدومه، وإن قل»).



[ ص: 72 ] (الشرح)

(عن عائشة) رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم. (أنها كانت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: سددوا) أي: اطلبوا السداد، واعملوا به.

«والسداد»: الصواب. وهو بين الإفراط والتفريط. فلا تغلوا ولا تقصروا.

قال القسطلاني: وهو اتباع السنة، من الإخلاص وغيره (وقاربوا) أي: إن عجزتم عن السداد، فاقربوا منه.

وقال القسطلاني: أي: لا تفرطوا، فتجهدوا أنفسكم في العبادة، لئلا يفضي بكم ذلك: إلى الملال، فتتركوا العمل.

قال ابن حزم: معنى الأمر بالسداد والمقاربة، أنه صلى الله عليه وآله وسلم، أشار بذلك ؛ إلى أنه: بعث ميسرا مسهلا ؛ فأمر أمته: بأن يقصدوا في الأمور، لأن ذلك يقتضي: الاستدامة، عادة.

(وأبشروا) أي: بالجنة: (فإنه لن يدخل الجنة أحدا: عمله.

قالوا: ولا أنت ؟ يا رسول الله ! قال: ولا أنا. إلا أن يتغمدني الله منه: برحمة) أي: يلبسنيها، ويغمدني ويسترني بها.

[ ص: 73 ] ومنه: «أغمدت السيف وغمدته»: إذا جعلته في غمده، وسترته به.

وفي حديث «أبي هريرة»، يرفعه: « لن ينجي أحدا منكم: عمله» قال رجل: ولا إياك ؟ يا رسول الله! قال: ولا إياي، إلا أن يتغمدني الله: برحمة. ولكن سددوا». وفي رواية: «برحمة منه، وفضل» وفي رواية: «بمغفرة، ورحمة».

وفي رواية: «إلا أن يتداركني الله منه: برحمة).

وفي حديث «جابر» عند مسلم، يرفعه: « لا يدخل أحدا منكم عمله: الجنة، ولا يجيره من النار. ولا أنا، إلا برحمة الله».

قال الرافعي (في أماليه): لما كان أجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في الطاعة: أعظم، وعمله في العبادة: أقوم. قيل له: «ولا أنت ؟ » أي: لا ينجيك عملك، مع عظم قدرك. فقال: لا. إلا برحمة الله.

قال: وفيه أن العامل، لا ينبغي له: أن يتكل على عمله، في طلب النجاة، ونيل الدرجات. لأنه، إنما عمل: بتوفيق الله. وإنما ترك المعصية: بعصمة الله تعالى. فكل ذلك: بفضله، ورحمته. انتهى.

[ ص: 74 ] قال النووي: اعلم أن مذهب أهل السنة: أنه لا يثبت بالعقل: ثواب، ولا عقاب، ولا إيجاب، ولا تحريم. ولا غيرهما من أنواع التكليف. ولا تثبت هذه كلها، ولا غيرها: إلا بالشرع.

ومذهب أهل السنة أيضا: أن الله تعالى، لا يجب عليه شيء - تعالى الله - بل العالم ملكه، والدنيا والآخرة في سلطانه، يفعل فيهما: ما يشاء. فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين، وأدخلهم النار: كان عدلا منه.

وإذا أكرمهم. ونعمهم، وأدخلهم الجنة: فهو فضل منه. ولو نعم الكافرين، وأدخلهم الجنة: كان له ذلك. ولكنه أخبر - وخبره صدق -: أنه لا يفعل هذا، بل يغفر للمؤمنين، ويدخلهم الجنة برحمته. ويعذب المنافقين، ويخلدهم في النار: عدلا منه.

وأما المعتزلة، فيثبتون الأحكام: بالعقل. ويوجبون: ثواب الأعمال. ويوجبون: الأصلح. ويمنعون: خلاف هذا - في خبط طويل لهم - تعالى الله: عن اختراعاتهم الباطلة، المنابذة لنصوص الشرع.

وفي ظاهر هذه الأحاديث: دلالة لأهل الحق: أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة: بطاعته. وأما قوله تعالى: ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ، وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ، ونحوهما

[ ص: 75 ] من الآيات، الدالة على أن الأعمال، يدخل بها الجنة. فلا يعارض هذه الأحاديث، بل معنى الآيات: أن دخول الجنة، بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال، والهداية للإخلاص فيها، وقبولها: برحمة الله تعالى، وفضله.

فيصح أنه لم يدخل: بمجرد العمل. وهو مراد الأحاديث. ويصح أنه دخل: بالأعمال. أي: بسببها. وهي من الرحمة. والله أعلم.

(واعلموا: أن أحب العمل إلى الله: أدومه، وإن قل). فيه: الحث على إدامة العمل.

والمراد «بالدوام»: المواظبة العرفية. وهي الإتيان بذلك - في كل شهر، أو كل يوم -: بقدر ما يطلق عليه اسم «المداومة» عرفا. لا شمول الأزمنة: إذ هو غير مقدور.

وفي حديث «عائشة» عند البخاري ؛ «قالت: كان أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الذي يدوم عليه صاحبه. أي: يستمر عليه، عامله.

التالي السابق


الخدمات العلمية