السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4966 باب فيمن أصاب ذنبا، ثم توضأ وصلى المكتوبة

وذكره النووي، في: (باب قوله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات ).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي، ص 81، 82 ج 17، المطبعة المصرية (عن أبي أمامة، رضي الله عنه، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم، في المسجد، ونحن قعود معه: إذ جاء رجل [ ص: 102 ] فقال: يا رسول الله! إني أصبت حدا فأقمه علي. فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم. ثم أعاد، فقال: يا رسول الله! إني أصبت حدا، فأقمه علي. فسكت عنه. وقال ثالثة، فأقيمت الصلاة. فلما انصرف نبي الله صلى الله عليه) وآله (وسلم قال أبو أمامة: فاتبع الرجل رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم - حين انصرف - واتبعت رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: أنظر ما يرد على الرجل. فلحق الرجل رسول الله صلى الله عليه) وآله وسلم) فقال: يا رسول الله! إني أصبت حدا فأقمه علي فقال أبو أمامة: فقال له رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: «أرأيت - حين خرجت من بيتك - أليس قد توضأت، فأحسنت الوضوء ؟ » قال: بلى. يا رسول الله! قال: «ثم شهدت الصلاة معنا ؟ » قال: نعم. يا رسول الله! فقال له رسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم: «فإن الله، قد غفر لك: حدك - أو قال: ذنبك -»).


[ ص: 103 ] (الشرح)

هذا تصريح: بأن الحسنات، تكفر السيئات.

قال النووي: هذا «الحد» معناه: معصية من المعاصي الموجبة للتعزير. وهي هنا من الصغائر. لأنها كفرتها الصلاة. ولو كانت كبيرة موجبة لحد أو غير موجبة له: لم تسقط بالصلاة؛ فقد أجمع العلماء: على أن المعاصي الموجبة للحدود، لا تسقط حدودها بالصلاة.

قال: هذا هو الصحيح، في تفسير هذا الحديث.

وحكى عياض عن بعضهم، أن المراد بالحد: المعروف. قال: وإنما لم يحده لأنه لم يفسر موجب الحد، ولم يستفسره النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه: إيثارا للستر. بل استحب: تلقين الرجوع عن الإقرار بموجب الحد صريحا. انتهى).

قلت: وفي حديث «عبد الله»، عند مسلم: ما يوضح المراد من حديث الباب. ولذا صدر مسلم الباب به. ولفظه عنه، رضي الله عنه ؛ قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقال: يا رسول الله! إني عالجت امرأة - في أقصى المدينة - وإني أصبت منها: ما دون أن أمسها. فأنا هذا، فاقض في ما شئت. فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت نفسك. قال: فلم يرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم: شيئا.

[ ص: 104 ] فقام الرجل، فانطلق، فأتبعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: رجلا، دعاه،
وتلا عليه هذه الآية {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين فقال رجل من القوم: يا نبي الله! هذا له خاصة ؟ قال: «بل للناس كافة».


«المس»: الجماع. ومعناه: استمتعت بها: بالقبلة، والمعانقة، وغيرهما من جميع أنواع الاستمتاع، إلا الجماع. واختلفوا في المراد «بالحسنات» هنا ؛ فنقل الثعلبي «رحمه الله»: أن أكثر المفسرين، على أنها الصلوات الخمس. واختاره «ابن جرير»، وغيره من الأئمة.

وقال مجاهد: هي قول العبد: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر».

ويحتمل أن المراد: الحسنات مطلقا. ويدخل في «صلاة طرفي النهار»: الصبح، والظهر، والعصر.

وفي «زلفا من الليل»: المغرب، والعشاء.

وبالجملة «مفهوم هذين الحديثين»: تكفير الذنوب الصغائر: بالصلاة)، ونحوها من الحسنات.

[ ص: 105 ] وأما الكبائر: فتغفر بالتوبة بلا شك. وإن لم يتب: فهو في مشيئة الله سبحانه ؛ إن شاء غفرها، وإن شاء عذب عليها. هذا في حقوق الله تعالى.

وأما حقوق العباد فقالت شرذمة قليلة: يهدمها الحج، والإسلام، والهجرة، ونحوها.

وقال الأكثرون: هي تتوقف على عفو صاحب الحق.

وأما المعاصي التي لها حدود ؛ فالمستور منها: يحتمل أن يغفره الله سبحانه. بعميم فضله، وشمول كرمه. لأنه تعالى ستره عليه في الدنيا، فيستره في الآخرة.

وأما المكشوف منها: فيجب عليه الحد، ولا يعفى بعفو صاحب الحق، إلا ما ورد به الدليل. هذا خلاصة القول في هذا الباب. والله أعلم بالصواب.

التالي السابق


الخدمات العلمية