السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
5144 باب:هلاك هذه الأمة، بعضهم ببعض

وهو في النووي، في: (الكتاب السابق).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص13 ، 14 ج18، المطبعة المصرية

(عن ثوبان؛ قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض؛ فرأيت مشارقها، ومغاربها.

وإن أمتي سيبلغ ملكها: ما زوي لي منها.


وأعطيت الكنزين: الأحمر، والأبيض.

[ ص: 285 ] وإني سألت ربي لأمتي: أن لا يهلكها بسنة عامة. وأن لا يسلط عليهم عدوا، من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم.

وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاء، فإنه لا يرد. وإني أعطيتك، لأمتك: أن لا أهلكهم: بسنة عامة. وأن لا أسلط عليهم: عدوا، من سوى أنفسهم: يستبيح بيضتهم. ولو اجتمع عليهم: من بأقطارها -أو قال: من بين أقطارها- حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم: بعضا"
).


(الشرح)

(عن ثوبان، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: إن الله زوى) أي: جمع (لي الأرض؛ فرأيت مشارقها، ومغاربها. وإن أمتي سيبلغ ملكها: ما زوي لي منها.

وأعطيت الكنزين: الأحمر، والأبيض) أي: الذهب والفضة. والمراد: كنزي كسرى، وقيصر، ملكي العراق والشام.

قال النووي : فيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة، يكون معظم امتداده: في جهتي المشرق، والمغرب .

قال: وهكذا وقع. وأما في جهتي الجنوب والشمال: فقليل، بالنسبة إليهما.

[ ص: 286 ] قال: وصلوات الله، وسلامه: على رسوله، الصادق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .

(وإني سألت ربي لأمتي: أن لا يهلكها بسنة عامة) أي: بقحط يعمهم. بل إن وقع قحط، فيكون في ناحية يسيرة، بالنسبة إلى باقي بلاد الإسلام.

(وأن لا يسلط عليهم: عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم) أي: جماعتهم، وأصلهم.

"والبيضة" أيضا: العز، والملك.

(وإن ربي، قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاء، فإنه لا يرد. وإني أعطيتك، لأمتك: أن لا أهلكهم: بسنة عامة، ولا أسلط عليهم: عدوا من سوى أنفسهم: يستبيح بيضتهم. ولو اجتمع عليهم -من بأقطارها- أو قال: من بين أقطارها- حتى يكون بعضهم يهلك بعضا. ويسبي بعضهم: بعضا).

قال النووي : هذا الحديث، فيه معجزات ظاهرات. وقد وقعت

[ ص: 287 ] كلها، بحمد الله تعالى، كما أخبر به، صلى الله عليه وآله وسلم. فلله الحمد والشكر: على جميع نعمه. انتهى.

قلت: وفيه بشارة عظمى، لغرباء هذه الأمة المرحومة. في بقائها إلى آخر الدهر، وعدم فنائها، بكلها: على أيدي الظلمة الكفرة الفجرة، من أي موضع كانوا، وعلى أي قطر من أقطار الإسلام حملوا، وأرادوا استيصال المسلمين.

ويؤيد هذا الحديث: حديث آخر، في الصحيحين: "لا يزال من أمتي: أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله، وهم على ذلك" متفق عليه، من حديث "معاوية".

وفي رواية عنه، عند الترمذي؛ يرفعه: "إذا فسد أهل الشام: فلا خير فيهم. ولا يزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم، حتى تقوم الساعة" .

[ ص: 288 ] معنى "خذلهم": ترك نصرهم.

قال "ابن المديني": هم أصحاب الحديث. قلت: وهذا علم من أعلام النبوة. فإني رأيت كثيرا "بعيني" وسمعت غزيرا "بأذني": خذل أهل الرأي وغيرهم: أهل الحديث وجهدهم: في اضمحلال طريقة هؤلاء. ولكن لا تزال طائفة من العلماء بالسنة: ظاهرة على من يخالفهم، في كل عصر من الأعصار. وفي كل قطر من الأقطار.

وهذا مشاهد، وعليه من كتب طبقات المحدثين: شاهد. والحديث المذكور، قال الترمذي: حسن صحيح.

ويحتمل أن يكون المراد بهذه الأمة، القائمة بأمر الله، وهذه الطائفة المنصورة: العموم. فيدخل فيها: السلاطين العادلون، والأئمة المجاهدون، وكل من نفعه في الإسلام ظاهر: من علماء الدين وغيرهم.

ويدخل أهل الحديث فيها: دخولا أوليا. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية