السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
5228 (باب منه)

وهو في النووي، في: (باب ذكر الدجال).

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص63-70 ج18، المطبعة المصرية

(عن النواس بن سمعان؛ قال: ذكر رسول الله، صلى الله عليه وسلم: الدجال، ذات غداة، فخفض فيه، ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل.

فلما رحنا إليه: عرف ذلك فينا. فقال: "ما شأنكم؟"

قلنا: يا رسول الله! ذكرت الدجال غداة، فخفضت فيه، ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل.

فقال:
"غير الدجال أخوفني عليكم. إن يخرج وأنا فيكم: فأنا حجيجه دونكم.

وإن يخرج ولست فيكم: فامرؤ حجيج نفسه. والله خليفتي على كل مسلم.

[ ص: 417 ] إنه شاب قطط. عينه طافئة. كأني أشبهه: بعبد العزى بن قطن. فمن أدركه منكم، فليقرأ عليه: فواتح سورة الكهف.

إنه خارج خلة بين الشأم والعراق؛ فعاث يمينا. وعاث شمالا.

يا عباد الله! فاثبتوا".

قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال" "أربعون يوما؛ يوم كسنة. ويوم كشهر.

ويوم كجمعة. وسائر أيامه: كأيامكم".

قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة. أتكفينا فيه: صلاة يوم؟

قال: "لا. اقدروا له قدره".

قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟

قال: "كالغيث، استدبرته الريح. فيأتي على القوم، فيدعوهم: فيؤمنون به، ويستجيبون له.

فيأمر السماء، فتمطر. والأرض، فتنبت. فتروح عليهم سارحتهم، أطول ما كانت ذرا، وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر.

ثم يأتي القوم، فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين، ليس بأيديهم شيء من أموالهم.

ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل.

ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين، رمية الغرض. ثم يدعوه، فيقبل، ويتهلل وجهه يضحك.

[ ص: 418 ] فبينما هو كذلك: إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء، شرقي دمشق -بين مهرودتين- واضعا كفيه على أجنحة ملكين. إذا طأطأ رأسه: قطر. وإذا رفعه: تحدر منه جمان كاللؤلؤ. فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه: إلا مات. ونفسه: ينتهي حيث ينتهي طرفه.

فيطلبه، حتى يدركه بباب لد، فيقتله.

ثم يأتي عيسى ابن مريم: قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة.

فبينما هو كذلك، إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عبادا لي، لا يدان لأحد بقتالهم.

فحرز عبادي: إلى الطور.

ويبعث الله: يأجوج، ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون. فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها.

ويمر آخرهم، فيقولون: لقد كان بهذه مرة- ماء.

ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم: خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم. فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه: فيرسل الله عليهم: النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى، كموت نفس واحدة.

ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه: إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر، إلا ملأه زهمهم ونتنهم.

[ ص: 419 ] فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه: إلى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت، فتحملهم، فتطرحهم حيث شاء الله.

ثم يرسل الله مطرا، لا يكن منه: بيت مدر، ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة.

ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك. فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل. حتى أن اللقحة من الإبل: لتكفي الفئام من الناس.

واللقحة من البقر: لتكفي القبيلة من الناس.

واللقحة من الغنم: لتكفي الفخذ من الناس.

فبينما هم كذلك: إذ بعث الله ريحا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم. فتقبض روح كل مؤمن، وكل مسلم. ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها: تهارج الحمر. فعليهم تقوم الساعة"
).


(الشرح)

(عن النواس بن سمعان): بفتح السين، وكسرها.

(قال: ذكر رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع): هو بتشديد الفاء فيهما. وفي معناه قولان؛

أحدهما: أن "خفض" بمعنى حقر. "ورفع، بمعنى عظم وفخم.

فمن تحقيره على الله تعالى: أنه عوره. ومنه قوله صلى الله عليه وآله [ ص: 420 ] وسلم: "هو أهون على الله من ذلك".

وأنه لا يقدر على قتل أحد، إلا ذلك الرجل. ثم يعجز عنه. وأنه يضمحل أمره، ويقتل بعد ذلك هو وأتباعه.

ومن تفخيمه، وتعظيم فتنته والمحنة به: هذه الأمور الخارقة للعادة. وأنه ما من نبي، إلا وقد أنذره قومه.

والوجه الثاني: أنه خفض من صوته، في حال الكثرة فيما تكلم فيه. فخفض بعد طول الكلام والتعب، ليستريح. ثم رفع ليبلغ صوته كل أحد.

(حتى ظنناه في طائفة النخل. فلما رحنا إليه: عرف ذلك فينا. فقال: "ما شأنكم؟".

قلنا: يا رسول الله! ذكرت الدجال غداة، فخفضت فيه ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل. فقال: غير الدجال أخوفني عليكم). هكذا هو في جميع نسخ بلاد النووي: بنون بعد الفاء.

[ ص: 421 ] وكذا نقله عياض، عن رواية الأكثرين. قال: ورواه بعضهم: بحذف النون. وهما لغتان صحيحتان، ومعناهما واحد.

قال شيخنا الإمام ابن مالك: الحاجة داعية إلى الكلام في لفظ الحديث ومعناه؛

فأما لفظه: لكونه تضمن ما لا يعتاد، من إضافة "أخوف" إلى ياء المتكلم، مقرونة بنون الوقاية. وهذا الاستعمال، إنما يكون مع الأفعال المتعدية.

والجواب: أنه كان الأصل: إثباتها. ولكنه أصل متروك. فنبه عليه في قليل من كلامهم. وأنشد فيه أبياتا.

ولأفعل التفضيل أيضا: شبه بالفعل. وخصوصا بفعل التعجب. فجاز أن تلحقه النون المذكورة في الحديث، كما لحقت في الأبيات.

هذا هو الأظهر، في هذا النون هنا.

ويحتمل أن يكون معناه: "أخوف لي". فأبدلت النون من اللام، كما أبدلت في: "لعن وعن" بمعنى: لعل وعل.

وأما معنى الحديث، ففيه أوجه؛

[ ص: 422 ] أظهرها: أنه من "أفعل التفضيل"، وتقديره: "غير الدجال أخوف مخوفاتي عليكم". ثم حذف المضاف إلى الياء.

ومنه: "أخوف ما أخاف على أمتي: الأئمة المضلون" .

معناه: أن الأشياء التي أخافها على أمتي: أحقها بأن تخاف: الأئمة المضلون.

والثاني: أن يكون "أخوف" من أخاف، بمعنى "خوف". ومعناه: غير الدجال أشد موجبات خوفي عليكم.

والثالث: أن يكون من باب وصف المعاني، بما يوصف به الأعيان، على سبيل المبالغة. كقولهم في الشعر الفصيح: "شعر شاعر". و"خوف فلان: أخوف من خوفك".

وتقديره: "خوف غير الدجال: أخوف خوفي عليكم". ثم حذف المضاف الأول، ثم الثاني. هذا آخر كلام الشيخ .

(إن يخرج وأنا فيكم: فأنا حجيجه دونكم.

وإن يخرج ولست فيكم: فامرؤ حجيج نفسه. والله خليفتي على كل مسلم. إنه شاب قطط) بفتح القاف والطاء. أي: شديد جعودة الشعر، مباعد للجعودة المحبوبة.

[ ص: 423 ] (عينه طافئة) رويت بالهمز وتركه. وكلاهما صحيح؛ فالمهموزة: هي التي ذهب نورها.

وغير المهموزة: التي نتأت، وطفت مرتفعة، وفيها ضوء.

(كأني أشبهه: بعبد العزى بن قطن. فمن أدركه منكم، فليقرأ عليه: فواتح سورة الكهف.

إنه خارج خلة بين الشام والعراق).

قال النووي : هكذا في نسخ بلادنا: "خلة" بفتح الخاء المعجمة واللام، وتنوين الهاء.

وقال عياض: المشهور فيه: "حلة" بالحاء، ونصب التاء (يعني غير منونة). قيل: معناه: سمت ذلك، وقبالته.

وفي كتاب العين: "الحلة" موضع حزن، وصخور.

قال: ورواه بعضهم: "حله" بضم اللام، وبهاء الضمير. أي: نزوله وحلوله.

قال : وكذا ذكره الحميدي، في الجمع بين الصحيحين.

قال: وذكر الهروي: "خلة" بالخاء المعجمة، وتشديد اللام المفتوحتين. وفسره بأنه: ما بين البلدين.

[ ص: 424 ] قال النووي : وهذا الذي ذكره عياض عن الهروي: هو الموجود في نسخ بلادنا، وفي الجمع بين الصحيحين أيضا ببلادنا. وهو الذي رجحه صاحب (نهاية الغريب)، وفسره: بالطريق بينهما.

(فعاث يمينا، وعاث شمالا): بعين مهملة، وثاء مفتوحة. وهو فعل ماض.

"والعيث": الفساد. أو أشد الفساد، والإسراع فيه. يقال منه: "عاث يعيث".

وحكى عياض: أنه رواه بعضهم: "فعاث" بكسر الثاء منونة. اسم فاعل. وهو بمعنى الأول.

(يا عباد الله! فاثبتوا. قلنا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوما. يوم كسنة. ويوم كشهر. ويوم كجمعة).

قال أهل العلم: هذا الحديث على ظاهره. وهذه الأيام الثلاثة طويلة على هذا القدر المذكور في الحديث . يدل عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (وسائر أيامه كأيامكم.

[ ص: 425 ] قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كالسنة. أتكفينا فيه: صلاة يوم؟ قال: "لا. اقدروا له قدره").

قال عياض، وغيره: هذا حكم مخصوص بذلك اليوم، شرعه لنا صاحب الشرع. قالوا: ولولا هذا الحديث، ووكلنا إلى اجتهادنا: لاقتصرنا فيه على الصلوات الخمس، عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام.

ومعنى "القدر" أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر: قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم: فصلوا الظهر.

ثم إذا مضى بعده: قدر ما يكون بينها وبين العصر: فصلوا العصر.

وإذا مضى بعد هذا: قدر ما يكون بينها وبين المغرب: فصلوا المغرب. وكذا العشاء، والصبح، ثم الظهر، ثم العصر، ثم المغرب. وهكذا حتى ينقضي ذلك اليوم، وقد وقع فيه: صلوات ستة فرائض، كلها مؤداة في وقتها).

[ ص: 426 ] وأما الثاني، الذي كشهر. والثالث، الذي كجمعة؛ فقياس اليوم الأول: أن يقدر لهما كاليوم الأول، على ما ذكرناه. والله أعلم.

(قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث، استدبرته الريح.

فيأتي على قوم فيدعوهم: فيؤمنون به، ويستجيبون له. فيأمر السماء، فتمطر. والأرض، فتنبت. فتروح عليهم سارحتهم؛ أطول ما كانت ذرى، وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر).

"تروح" معناه: ترجع آخر النهار.

"والسارحة": هي الماشية التي تسرح. أي تذهب أول النهار إلى المرعى.

"والذرى": بضم الذال المعجمة. هي الأعالي، والأسنمة. جمع: "ذروة" بضم الذال وكسرها.

ومعنى "أسبغه": أطوله، لكثرة اللبن. وكذا "أمده خواصر"، لكثرة امتلائها من الشبع.

(ثم يأتي القوم؛ فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين من "أمحل القوم": إذا أصابهم المحل. فهم ممحلون.

[ ص: 427 ] "والمحل": السنة، والقحط.

(ليس بأيديهم شيء من أموالهم.

ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها، كيعاسيب النحل) هي ذكور النحل. هكذا فسره ابن قتيبة، وآخرون.

قال عياض: المراد: جماعة النحل، لا ذكورها خاصة. لكنه كنى عن الجماعة: باليعسوب، وهو أميرها: لأنه متى طار، تبعته جماعته. والله أعلم .

(ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا، فيضربه بالسيف: فيقطعه جزلتين): بفتح الجيم على المشهور. وحكى ابن دريد: كسرها. أي: قطعتين.

ومعنى (رمية الغرض): أنه يجعل بين الجزلتين: "مقدار رمية". هذا هو الظاهر المشهور.

وحكى عياض هذا، ثم قال: وعندي أن فيه تقديما وتأخيرا. تقديره: فيصيبه إصابة رمية الغرض، فيقطعه جزلتين. والصحيح الأول.

(ثم يدعوه: فيقبل، ويتهلل وجهه، ويضحك. فبينما هو كذلك: إذ بعث الله المسيح بن مريم، عليه السلام، فينزل عند المنارة البيضاء، شرقي دمشق).

[ ص: 428 ] "المنارة": بفتح الميم. قال النووي : هذه المنارة موجودة اليوم، شرقي دمشق.

"ودمشق" بكسر الدال، وفتح الميم. وهذا هو المشهور.

وحكى صاحب المطالع: "كسر الميم".

قال: وهذا الحديث، من فضائل دمشق.

وفي "عند": ثلاث لغات؛ كسر العين. وضمها. وفتحها. والمشهور: الكسر.

(بين مهروذتين). روي: بالمهملة، وبالمعجمة. والمهملة: أكثر. والوجهان مشهوران: للمتقدمين والمتأخرين من أهل اللغة والغريب، وغيرهم.

وأكثر ما يقع في النسخ: "بالمهملة، كما هو المشهور.

ومعناه: "لابس مهرودتين، أي: ثوبين مصبوغين بورس، ثم بزعفران.

وقيل: هما شقتان. "والشقة": نصف الملاءة.

(واضعا كفيه على أجنحة ملكين. إذا طأطأ رأسه : قطر. وإذا رفعه: تحدر منه جمان، كاللؤلؤ).

"الجمان": بضم الجيم، وتخفيف الميم: هي حبات من الفضة، تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار.

[ ص: 429 ] والمراد يتحدر منه الماء، على هيئة اللؤلؤ في صفائه. فسمي الماء "جمانا". لشبهه به، في الصفاء.

(فلا يحل لكافر أن يجد ريح نفسه، إلا مات). هكذا الرواية: بكسر الحاء من "يحل". و"نفسه": بفتح الفاء.

ومعنى "لا يحل". لا يمكن، ولا يقع.

وقال عياض: معناه عندي: حق وواجب.

قال: ورواه بعضهم: بضم الحاء، وهو وهم وغلط.

(ونفسه: ينتهي حيث ينتهي طرفه. فيطلبه حتى يدركه بباب لد): بضم اللام، وتشديد الدال مصروف. وهو بلدة قريبة من بيت المقدس.

(فيقتله، ثم يأتي عيسى إلى قوم، قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم).

قال عياض: يحتمل أن هذا المسح، حقيقة على ظاهره. فيمسح على وجوههم، تبركا وبرا.

ويحتمل أنه إشارة إلى كشف ما هم فيه، من الشدة والخوف.

(ويحدثهم: بدرجاتهم في الجنة.

فبينما هو كذلك، إذ أوحى الله إلى عيسى عليه السلام: إني قد [ ص: 430 ] أخرجت عبادا لي، لا يدان لأحد بقتالهم) بكسر النون: تثنية "يد".

قال العلماء: معناه لا قدرة ولا طاقة. يقال: "مالي بهذا الأمر يد، ومالي به يدان. لأن المباشرة والدفع، إنما يكون باليد. وكأن يديه معدومتان، لعجزه عن دفعه.

(فحرز عبادي إلى الطور). أي: ضمهم إليه. واجعله لهم حرزا.

يقال: "أحرزت الشيء، أحرزه إحرازا": إذا حفظته، وضممته إليه، وصنته عن الأخذ.

ووقع في بعض النسخ: "حزب" بالحاء والزاي والباء. أي: اجمعهم.

قال عياض: وروي: "حوز" بالواو والزاي. ومعناه: نحهم وأزلهم: عن طريقهم، إلى الطور.

(ويبعث الله: يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب) أي: نشز (ينسلون): يمشون مسرعين.

(فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها. ويمر آخرهم، فيقولون: لقد كان بهذه -مرة- ماء. ويحصر نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم: خيرا من مائة دينار [ ص: 431 ] لأحدكم اليوم. فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله فيهم: النغف في رقابهم). بنون وغين مفتوحتين، ثم فاء. وهو دود يكون في أنوف الإبل والغنم. الواحدة: نغفة.

(فيصبحون فرسى): بفتح الفاء، مقصور. أي: قتلى. واحدهم: فريس.

(كموت نفس واحدة. ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه، إلى الأرض. فلا يجدون في الأرض موضع شبر، إلا ملأه زهمهم) بفتح الهاء. أي: دسمهم (ونتنهم) أي: رائحتهم الكريهة.

(فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرا، كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله .

ثم يرسل الله مطرا، لا يكن منه: بيت مدر) أي: لا يمنع من نزول الماء: "المدر" بفتح الميم والدال: هو الطين الصلب.

(ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة) روي: بفتح الزاي، واللام، والقاف.

وروي: بضم الزاي، وإسكان اللام، وبالفاء.

[ ص: 432 ] وروي: "الزلفة، بفتح الزاي واللام، وبالفاء.

وقال عياض: روي بالفاء والقاف. وبفتح اللام وبإسكانها. وكلها صحيحة.

قال في المشارق: والزاي مفتوحة. واختلفوا في معناه.

فقال ثعلب، وأبو زيد، وآخرون: معناه: "كالمرآة". وحكى "صاحب المشارق" هذا، عن ابن عباس أيضا.

شبهها بالمرآة: في صفائها ونظافتها.

وقيل: كمصانع الماء. أي: أن الماء يستنقع فيها، حتى تصير كالمصنع الذي يجتمع فيه الماء.

وقال أبو عبيد: معناه: كالإجانة الخضراء.

وقيل: كالصحفة.

وقيل: كالروضة.

(ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك. فيومئذ تأكل العصابة) أي الجماعة (من الرمانة. ويستظلون بقحفها) بكسر القاف. هو مقعر قشرها.

شبهها: "بقحف الرأس". وهو الذي فوق الدماغ.

وقيل: ما انفلق من جمجمته، وانفصل.

[ ص: 433 ] (ويبارك في الرسل): بكسر الراء، وإسكان السين. هو اللبن (حتى أن اللقحة): بكسر اللام وفتح القاف : كبركة وبرك.

"واللقوح": ذات اللبن. وجمعها: "لقاح".

(من الإبل: لتكفي الفئام) بكسر الفاء. وبعدها همزة ممدودة. وهي "الجماعة الكثيرة". هذا هو المشهور، والمعروف في اللغة، وكتب الغريب.

ورواية الحديث: أنه بكسر الفاء وبالهمز.

قال عياض: ومنهم من لا يجيز الهمز. بل يقوله بالياء.

وقال (في المشارق): وحكاه الخليل "بفتح الفاء"، وهي رواية القابسي.

قال: وذكره (صاحب العين) غير مهموز، فأدخله في حرف الياء.

وحكى الخطابي: أن بعضهم ذكره بفتح الفاء، وتشديد الياء. وهو غلط فاحش.

(من الناس. واللقحة من البقر: لتكفي القبيلة من الناس. واللقحة من الغنم: لتكفي الفخذ من الناس).

قال أهل اللغة: "الفخذ": الجماعة من الأقارب. وهم دون البطن. "والبطن": دون القبيلة.

[ ص: 434 ] قال "ابن فارس": "الفخذ" هنا، بإسكان الخاء لا غيره. فلا يقال إلا بإسكانها: بخلاف "الفخذ" التي هي العضو، فإنها تكسر وتسكن .

(فبينما هم كذلك: إذ بعث الله ريحا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم. فتقبض روح كل مؤمن، وكل مسلم).

هكذا هو في جميع نسخ مسلم. "وكل مسلم" بالواو.

(ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها: تهارج الحمر) أي: يجامع الرجال النساء، بحضرة الناس، كما يفعل الحمير. ولا يكترثون لذلك.

"والهرج" بإسكان الراء: الجماع. يقال: "هرج زوجته"، أي: جامعها "يهرجها" بفتح الراء، وضمها، وكسرها.

وقد وقع بعض هذا، في هذا الزمان. فقد سمعنا ثقاة، يحكون أن بعضا من "أهل الرفض"، الذي كان له دولة وحكومة، كان يتهارج بنسائه بين أظهر خدمه وحشمه. ولا يكترث منهم، ولا من نساء أخرى في بيته. ويخبث بحضرتهم، حتى إن بعض الرجال أو النساء: يأخذ برأس المرأة وهو يجامعها. ونعوذ بالله: من غضب الله.

وهذا من أشراط قرب الساعة الكبرى.

والمراد في الحديث: كثرة هذه الشنيعة، وعموم البلوى بها: في الناس، من غير مبالاة، ولا حياء من الله ومن الناس.

[ ص: 435 ] وكلما تزداد هذه الأفعال: تقرب الساعة من الناس. ولكن "أنى لهم التناوش من مكان بعيد".

(فعليهم تقوم الساعة). أي: على شرار الناس.

وظني: أن زمن قيامها قد اقترب جدا. فإنه لم يبق من أماراتها الصغرى شيء يسير أيضا، فضلا عن الكبير.

وأما الكبرى منها، فمقدمتها: ظهور المهدي عليه السلام، وقد نشاهد أسباب ذلك.

وأظلت المائة الرابعة عشر، من هجرة سيد البشر. وهي من أغلب مظان زمان ظهوره. والله أعلم. وعلمه أتم، وأمره أحكم.

وبالجملة: إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا وما أقرب ما هو آت! وما أبعد ما هو فات.! اللهم! ثبت قلوبنا على دينك. واحفظنا: من سوء القضاء، وجهد البلاء، ودرك الشقاء، وشماتة الأعداء. إنك على ما تشاء قدير. وبالإجابة -من هذا الظلوم الجهول، الخائف الراجي- جدير. اللهم آمين.

التالي السابق


الخدمات العلمية