السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
5235 باب: صفة الدجال وخروجه، وحديث الجساسة

وقال النووي : (باب قصة الجساسة)

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم النووي ، ص78 - 83 ج18، المطبعة المصرية

(عن الحسين بن ذكوان؛ حدثنا ابن بريدة؛ حدثني عامر بن شراحيل الشعبي -شعب همدان-؛ أنه سأل فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس -وكانت من المهاجرات الأول-؛ فقال: حدثيني حديثا سمعتيه من رسول الله، صلى الله عليه وسلم. لا تسنديه إلى أحد غيره. فقالت: لئن شئت، لأفعلن. فقال لها: أجل. حدثيني.

فقالت: نكحت ابن المغيرة -وهو من خيار شباب قريش، يومئذ- فأصيب، في أول الجهاد مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

فلما تأيمت: خطبني عبد الرحمن بن عوف، في نفر من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

[ ص: 456 ] وخطبني رسول الله، صلى الله عليه وسلم: على مولاه "أسامة بن زيد". وكنت قد حدثت: أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "من أحبني، فليحب أسامة".

فلما كلمني رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قلت: أمري بيدك، فأنكحني من شئت. فقال: "انتقلي إلى أم شريك".

وأم شريك: امرأة غنية، من الأنصار. عظيمة النفقة، في سبيل الله. ينزل عليها الضيفان. فقلت: سأفعل. فقال: "لا تفعلي. إن أم شريك، امرأة كثيرة الضيفان.

فإني أكره: أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك: فيرى القوم منك بعض ما تكرهين. ولكن انتقلي إلى ابن عمك: عبد الله بن عمرو ابن أم مكتوم".

-وهو رجل من بني فهر "فهر قريش"، وهو من البطن الذي هي منه- فانتقلت إليه.

فلما انقضت عدتي: سمعت نداء المنادي -منادي رسول الله، صلى الله عليه وسلم- ينادي: الصلاة جامعة. فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فكنت في صف النساء، التي تلي ظهور القوم.

فلما قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صلاته: جلس على المنبر -وهو يضحك-، فقال: "ليلزم كل إنسان مصلاه". ثم قال: "أتدرون لم جمعتكم؟".

[ ص: 457 ] قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: "إني والله! ما جمعتكم لرغبة، ولا لرهبة. ولكن جمعتكم، لأن تميما الداري، كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم. وحدثني حديثا، وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال.

حدثني: أنه ركب في سفينة بحرية، مع ثلاثين رجلا: من لخم وجذام. فلعب بهم الموج شهرا، في البحر. ثم أرفئوا إلى جزيرة في البحر، حتى مغرب الشمس. فجلسوا في أقرب السفينة. فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون: ما قبله من دبره. من كثرة الشعر. فقالوا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا
الجساسة.؟

قالوا: وما الجساسة؟

قالت: أيها القوم! انطلقوا إلى هذا الرجل، في الدير. فإنه إلى خبركم بالأشواق.

قال: لما سمت لنا رجلا، فرقنا منها: أن تكون شيطانة.

قال: فانطلقنا سراعا، حتى دخلنا الدير. فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط- خلقا.

وأشده وثاقا. مجموعة يداه إلى عنقه -ما بين ركبتيه إلى كعبيه- بالحديد. قلنا: ويلك! ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري. فأخبروني ما أنتم؟

قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية. فصادفنا البحر، حين اغتلم.

[ ص: 458 ] فلعب بنا الموج شهرا. ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة. فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر. لا يدرى ما قبله من دبره: من كثرة الشعر.

فقلنا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قلنا: وما الجساسة؟

قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعا، وفزعنا منها. ولم نأمن أن تكون شيطانة.

فقال أخبروني عن نخل بيسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها، هل يثمر؟ قلنا له: نعم.

قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر.

قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟

قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء.

قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب.

قال: أخبروني عن عين زغر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟

قال هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم. هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها.

قال: أخبروني عن نبي الأميين، ما فعل؟

قالوا: قد خرج من مكة، ونزل يثرب.

قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم.

[ ص: 459 ] قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه: أنه قد ظهر على من يليه من العرب، وأطاعوه.

قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم.

قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه. وإني مخبركم عني. إني أنا المسيح.

وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية، إلا هبطتها، في أربعين ليلة -غير مكة وطيبة- فهما محرمتان علي، كلتاهما.

كلما أردت أن أدخل واحدة -أو واحدا- منهما: استقبلني ملك، بيده السيف صلتا، يصدني عنها. وإن على كل نقب منها: ملائكة يحرسونها.

قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم -وطعن بمخصرته في المنبر-: "هذه طيبة. هذه طيبة. هذه طيبة" يعني: المدينة- "ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟" فقال الناس: نعم. "فإنه أعجبني حديث تميم: أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه، وعن المدينة ومكة. ألا إنه في بحر الشأم، أو بحر اليمن. لا بل من قبل المشرق، ما هو. من قبل المشرق، ما هو. من قبل المشرق، ما هو" -وأومأ بيده إلى المشرق-.

قالت فحفظت هذا من رسول الله، صلى الله عليه وسلم
).


[ ص: 460 ] (الشرح)

(عن عامر بن شراحيل الشعبي -شعب همدان- أنه سأل فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس -وكانت من المهاجرات الأول- فقال: حدثيني حديثا سمعته من رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم. لا تسنديه إلى أحد غيره. فقالت: لئن شئت لأفعلن. فقال لها: أجل. حدثيني. فقالت: نكحت ابن المغيرة -وهو من خيار شباب قريش، يومئذ- فأصيب، في أول الجهاد مع رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم.

فلما تأيمت) أي: صرت أيما. وهي التي لا زوج لها.

قال العلماء: ليس معناه: أنه قتل في الجهاد، مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتأيمت بذلك. إنما تأيمت بطلاقه البائن: كما ذكره مسلم في الطريق الذي بعد هذا، وكذا ذكره في كتاب الطلاق، وكذا ذكره المصنفون في جميع كتبهم.

وقد اختلفوا في وقت وفاته؛ فقيل: توفي مع علي بن أبي طالب، رضي الله عنه -عقب طلاقها- باليمن. حكاه ابن عبد البر.

[ ص: 461 ] وقيل: بل عاش إلى خلافة عمر، رضي الله عنه. حكاه البخاري في التاريخ .

وإنما معنى قولها: "فأصيب" أي بجراحة. أو أصيب في ماله. أو نحو ذلك. هكذا تأوله العلماء .

قال عياض: إنما أرادت بذلك: عد فضائله. فابتدأت بكونه: خير شباب قريش. ثم ذكرت الباقي .

(خطبني عبد الرحمن بن عوف، في نفر من أصحاب محمد، صلى الله عليه) وآله (وسلم.

وخطبني رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم: على مولاه أسامة بن زيد. وكنت قد حدثت: أن رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، قال: "من أحبني، فليحب أسامة".

فلما كلمني رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم، قلت: أمري بيدك، فأنكحني من شئت).

ظاهره: أن الخطبة، كانت في نفس العدة. وليس كذلك، إنما كانت بعد انقضائها، كما صرح به في الأحاديث الواردة في كتاب الطلاق. فيتأول هذا اللفظ الواقع هنا: على ذلك. ويكون قوله الآتي: "انتقلي إلى أم شريك إلخ": مقدما على الخطبة. وعطف جملة على جملة، من غير ترتيب.

[ ص: 462 ] (فقال: "انتقلي إلى أم شريك". وأم شريك: امرأة غنية من الأنصار). هذا قد أنكره بعض العلماء، وقال: إنما هي قرشية، من بني عامر بن لؤي. واسمها: "غربة". وقيل: "غربلة".

وقال آخرون: هما ثنتان، قرشية، وأنصارية.

(عظيمة النفقة في سبيل الله. ينزل عليها الضيفان. فقلت: سأفعل. قال : "لا تفعلي. إن أم شريك، امرأة كثيرة الضيفان. فإني أكره: أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك: فيرى القوم منك بعض ما تكرهين. ولكن انتقلي إلى ابن عمك: عبد الله بن عمرو ابن أم مكتوم"- وهو رجل من بني فهر، فهر قريش، وهو من البطن الذي هي منه)- هكذا هو في جميع النسخ.

وقوله: "ابن أم مكتوم" يكتب بالألف. لأنه صفة لعبد الله، لا لعمرو. فنسبه إلى أبيه: "عمرو" وإلى أمه: "أم مكتوم". فجمع نسبه إلى أبويه. كما في "عبد الله بن مالك ابن بحينة"، و "عبد الله بن أبي ابن سلول". ونظائر ذلك.

قال عياض: المعروف أنه ليس بابن عمها، ولا من البطن الذي هي [ ص: 463 ] منه. بل هي من "بني محارب بن فهر". وهو من "بني عامر بن لؤي". انتهى.

قال النووي : والصواب: أن ما جاءت الرواية به صحيح. والمراد بالبطن هنا: القبيلة، لا البطن الذي هو أخص منها. والمراد: أنه "ابن عمها" مجاز. لكونه: من قبيلتها. فالرواية صحيحة، ولله الحمد.

(فانتقلت إليه. فلما انقضت عدتي: سمعت نداء المنادي -منادي رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم- ينادي: الصلاة جامعة) بنصب "الصلاة وجامعة" الأول: على الإغراء. والثاني: على الحال.

(فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم. فكنت في صف النساء، الذي يلي ظهور القوم.

فلما قضى رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم صلاته: جلس على المنبر -وهو يضحك- فقال: ليلزم) أي: يلتزم (كل إنسان مصلاه. ثم قال: "أتدرون لم جمعتكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم.

[ ص: 464 ] قال: إني، والله! ما جمعتكم لرغبة) أي: لأمر مرغوب فيه، من عطاء وغنيمة.

(ولا رهبة): أي: لا لخوف من عدو.

(ولكن جمعتكم، لأن تميما الداري).

"الداري": منسوب إلى جدله، اسمه "الدار".

(كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم)" أي سنة تسع.

(وحدثني حديثا، وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال؛ حدثني أنه ركب في سفينة بحرية) أي: لا برية. احتراز عن الإبل، فإنها تسمى: "سفينة البر".

وقيل: أي مركبا كبيرا بحريا، لا زورقا صغيرا نهريا.

وهذا معدود في مناقب "تميم"، لأن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: روى عنه هذه القصة.

وفيه: رواية الفاضل عن المفضول، ورواية المتبوع عن تابعه، ورواية الأكابر عن الأصاغر.

وفيه: قبول خبر الواحد.

(مع ثلاثين رجلا، من لخم): حي من اليمن، (وجذام): قبيلة من نجد.

[ ص: 465 ] (فلعب بهم الموج شهرا، في البحر. ثم أرفئوا إلى جزيرة) هو بالهمز. أي التجئوا إليها، ونزلوا.

(في البحر حين مغرب الشمس. فجلسوا في أقرب السفينة): بضم الراء. هي سفينة صغيرة. تكون مع الكبيرة: كالجنيبة، يتصرف فيها ركاب السفينة، لقضاء حوائجهم. الجمع: "قوارب". والواحد: "قارب"، بكسر الراء وفتحها.

وجاء هنا "أقرب" وهو صحيح، لكنه خلاف القياس.

وقيل: المراد بأقرب السفينة: أخرياتها، وما قرب منها للنزول.

(فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب، كثير الشعر): غليظه.

وإنما ذكره: لأن "الدابة" تطلق على الذكر والأنثى.

[ ص: 466 ] (لا يدرون ما قبله من دبره، من كثرة الشعر. فقالوا: ويلك! ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: يا أيها القوم! انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير)، وهو صومعة الراهب.

(فإنه إلى خبركم بالأشواق) أي: شديد الأشواق إليه.

(قال: لما سمت لنا رجلا، فرقنا). أي: خفنا (منها، أن تكون شيطانة. قال: فانطلقنا سراعا) أي: سارعين .

(حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه -قط- خلقا، وأشده وثاقا) أي: قيدا. من السلاسل والأغلال.

(مجموعة يداه إلى عنقه -ما بين ركبتيه إلى كعبيه- بالحديد. قلنا: ويلك! ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري. فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر، حين اغتلم) أي: هاج، وجاوز حده المعتاد.

وقال الكسائي: "الاغتلام": أن يتجاوز الإنسان ما له "من الخير والمباح".

(فلعب بنا الموج شهرا. ثم أرفينا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقينا دابة أهلب، كثير الشعر، لا ندري ما [ ص: 467 ] قبله من دبره: من كثرة الشعر. فقلنا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة) بفتح الجيم، وتشديد السين المهملة. قيل: سميت بذلك: لتجسسها الأخبار للدجال.

وجاء عن "عبد الرحمن بن عمرو بن العاص": أنها دابة الأرض، المذكورة في القرآن. قاله النووي . والظاهر: أن هذه غير هذه. والله أعلم.

(قلنا. وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعا، وفزعنا منها. ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن نخل بيسان): بفتح الباء وسكون الياء: "قرية بالشام". ذكره الطيبي.

وقيل: قرية من "أردن". قاله ابن الملك.

وفي القاموس: قرية بمرو، وبالشام، وموضع باليمامة.

(قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها، هل يثمر؟ قلنا: نعم. قال: أما إنها يوشك أن لا تثمر.

قال: أخبروني عن بحيرة طبرية) "البحيرة": تصغير "بحر". و"الطبرية": قصبة بالأردن. والنسبة إليها: "طبراني".

[ ص: 468 ] (قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب.

قال: أخبروني عن عين زغر): بضم الزاي وفتح المعجمة، ثم راء "هي بلدة معروفة"، في الجانب القبلي من الشام)، قليلة النبات.

سميت باسم ابنة لوط: "زغر"، لأنها نزلت بها. ووزنها: زمر.

(قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا: نعم. هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها.

قال: أخبروني عن نبي الأميين) أي: العرب. أضافه إليهم "باعتبار بعثه صلى الله عليه وآله وسلم، فيهم".

وقيل: أراد طعنا عليه: بأنه مبعوث إليهم خاصة، كما هو زعم يهود. أو بأنه غير مبعوث إلى ذوي الفطنة والكياسة. قاله ابن الملك، والأول: أولى.

(ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة، ونزل يثرب . قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه: أنه قد ظهر على من يليه من العرب، وأطاعوه. قال: قال لهم: قد كان ذاك؟ [ ص: 469 ] قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم، أن يطيعوه).

فيه: دلالة على أنه عارف بفضله وصدقه، صلى الله عليه وآله وسلم. وإنما يجحد كفرا وعنادا، كما هو شأن اليهود.

أو المراد: الخيرية في الدنيا.

أو أنه لما لم يكن له غرض في إظهار كفره وإنكاره، صلى الله عليه وآله وسلم: أخفاه، ولم يصرح به. كذا في "اللمعات".

(وإني مخبركم عني: أنا المسيح الدجال ، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع) أي: أترك (قرية، إلا هبطتها، في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة) هي المدينة. ويقال لها أيضا: "طابة". (فهما محرمتان على كلتاهما. كلما أردت أن أدخل واحدة -أو واحد- منهما استقبلني ملك، بيده السيف صلتا): بفتح الصاد وضمها. أي: مسلولا.

(يصدني عنها. وإن على كل نقب) أي طريق في الجبل (منها: ملائكة يحرسونها. قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم -وطعن بمخصرته): هو ما يتوكأ عليها. نحو العصا، والسوط، [ ص: 470 ] والقضيب. (في المنبر-: "هذه طيبة. هذه طيبة. هذه طيبة": يعني المدينة. "ألا هل كنت قد حدثتكم ذلك؟" فقال الناس: نعم. "فإنه أعجبني حديث تميم: أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه، وعن المدينة ومكة. ألا إنه في بحر الشام، أو بحر اليمن. لا، بل من قبل المشرق، ما هو. من قبل المشرق، ما هو. من قبل المشرق، ما هو").

قال عياض: لفظة "ما هو" زائدة، صلة للكلام. ليست بنافية. والمراد: إثبات أنه في جهات المشرق. (وأومى بيده إلى المشرق).

قال في "اللمعات": لما أبهم الله تعالى أمر الساعة، وأوقات ظهور أماراتها بالتعيين -ولهذا وقع الاختلاف في الأحاديث في ترتيبها-: أبهم مكان الدجال موثقا مرددا، بين هؤلاء الأمكنة الثلاثة ، مع غلبة الظن في آخرها. وهو أيضا غير متعين. بل الذي علم: "كونه قبل المشرق". وهذا معنى نفي الأولين، وإثبات الثالث.

[ ص: 471 ] ويمكن أن يكون هذا الترديد: لأجل أنه ينقل من بعضها، إلى بعض. وقيل "ما" زائدة. أي: يدخل من قبل المشرق، هو.

وقيل: بمعنى الذي. أي الذي هو فيه. انتهى. والله أعلم.

(قالت : فحفظت هذا من رسول الله، صلى الله عليه) وآله (وسلم).

قال في (الإذاعة): محل خروجه: "المشرق" جزما. كما قاله الترمذي في (الديباجة)، وابن حجر (في الفتح).

وفي رواية: يخرج من "أصفهان". أخرجه مسلم .

وفي أخرى: "من خراسان".

قال: ووقته "بعد فتح القسطنطينية". ومدته: "أربعون"، لا شطط ولا وكس. كما في مسلم. انتهى.

التالي السابق


الخدمات العلمية