السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
5265 باب في الابتلاء بالدنيا ، وكيف تعمل فيها

وهو في النووي ، في : (كتاب الزهد ) .

[ ص: 526 ] (حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ، ص 97 - 100 ج 18 ، المطبعة المصرية

(عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ؛ أن أبا هريرة حدثه ؛ أنه سمع النبي ، صلى الله عليه وسلم ؛ يقول : «إن ثلاثة -في بني إسرائيل- أبرص ، وأقرع ، وأعمى . فأراد الله : أن يبتليهم ؛ فبعث إليهم : ملكا ، فأتى الأبرص ، فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : لون حسن ، وجلد حسن ، ويذهب عني : الذي قد قذرني الناس . قال : فمسحه ، فذهب عنه قذره ، وأعطي : لونا حسنا ، وجلدا حسنا .

قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الإبل . -أو قال : البقر- شك إسحاق . إلا أن الأبرص ، أو الأقرع ، قال أحدهما : الإبل . وقال الآخر : البقر- قال : فأعطي ناقة عشراء . فقال : بارك الله لك فيها .

قال : فأتى الأقرع ، فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : شعر حسن ، ويذهب عني : هذا الذي قد قذرني الناس . قال : فمسحه ، فذهب عنه ، وأعطي : شعرا حسنا .

قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : البقر . فأعطي : بقرة حاملا . فقال : بارك الله لك فيها .

قال : فأتى الأعمى ، فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : أن يرد الله إلي بصري ، فأبصر به الناس .

قال : فمسحه ، فرد الله إليه بصره .

قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الغنم ، فأعطي : شاة والدا .

[ ص: 527 ] فأنتج هذان ، وولد هذا . قال : فكان لهذا : واد من الإبل ، ولهذا : واد من البقر ، ولهذا : واد من الغنم .

قال : ثم إنه أتى الأبرص -في صورته ، وهيئته- فقال : رجل مسكين ؛ قد انقطعت بي الحبال في سفري . فلا بلاغ لي -اليوم- إلا بالله ، ثم بك . أسألك : بالذي أعطاك اللون الحسن ، والجلد الحسن ، والمال : بعيرا أتبلغ عليه في سفري . فقال : الحقوق كثيرة .

فقال له : كأني أعرفك ؛ ألم تكن أبرص ، يقذرك الناس ؟ فقيرا ، فأعطاك الله ؟

فقال : إنما ورثت هذا المال : كابرا ، عن كابر . فقال : إن كنت كاذبا ، فصيرك الله إلى ما كنت .

قال : وأتى الأقرع -في صورته- فقال له مثل ما قال : لهذا . ورد عليه مثل ما رد على هذا .

فقال : إن كنت كاذبا ، فصيرك الله إلى ما كنت .

قال : وأتى الأعمى -في صورته ، وهيئته- فقال : رجل مسكين ، وابن سبيل ؛ انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي -اليوم- إلا بالله ، ثم بك . أسألك : بالذي رد عليك بصرك : شاة أتبلغ بها في سفري . فقال : قد كنت أعمى ، فرد الله إلي بصري . فخذ ما شئت ودع ما شئت ، فوالله ! لا أجهدك -اليوم- شيئا ، أخذته لله .

فقال : أمسك مالك ، فإنما ابتليتم ، فقد رضي عنك ، وسخط على صاحبيك » ) .



[ ص: 528 ] (الشرح)

(عن أبي هريرة ) رضي الله عنه ؛ (أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، يقول : إن ثلاثة في بني إسرائيل : أبرص ، وأقرع ، وأعمى . فأراد الله : أن يبتليهم ) .

وفي بعض النسخ : «يبليهم » بإسقاط التاء . ومعناهما : الاختبار .

(فبعث إليهم : ملكا ، فأتى الأبرص ، فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : لون حسن ، وجلد حسن ، ويذهب عني الذي : قد قذرني الناس . قال : فمسحه ، فذهب عنه قذره ، وأعطي لونا حسنا ، وجلدا حسنا .

قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الإبل - أو قال : البقر - شك إسحاق . إلا أن الأبرص أو الأقرع ، قال أحدهما : الإبل . وقال الآخر : البقر . قال : فأعطي : ناقة عشراء ) : الحامل القريبة الولادة .

(فقال : بارك الله لك فيها . قال : فأتى الأقرع ، فقال أي شيء أحب إليك ؟ فقال : شعر حسن ، ويذهب عني : هذا الذي قد قذرني [ ص: 529 ] الناس . قال : فمسحه ، فذهب عنه . قال : وأعطي : شعرا حسنا . قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : البقر . فأعطي بقرة حاملا . قال : بارك الله تعالى لك فيها .

قال : فأتى الأعمى ، فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : أن يرد الله إلي بصري ، فأبصر به الناس . قال : فمسحه ، فرد الله إليه بصره . قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الغنم . فأعطي : شاة والدا ) . أي : وضعت ولدها ، وهو معها .

(فأنتج هذان ، وولد هذا ) هكذا الرواية : «فأنتج » رباعي . وهي لغة قليلة الاستعمال . والمشهور : «نتج » ثلاثي . وممن حكى اللغتين : الأخفش .

ومعناه : «تولى الولادة » . وهي النتج ، والإنتاج .

ومعنى «ولد هذا » بتشديد اللام : معنى «أنتج » . والناتج : للإبل .

والمولد : للغنم وغيرها - هو كالقابلة للنساء - .

(فكان لهذا : واد من الإبل ، ولهذا : واد من البقر ، ولهذا : واد من الغنم .

قال : ثم إنه أتى الأبرص - في صورته وهيئته - فقال : رجل مسكين ، [ ص: 530 ] قد انقطعت بي الحبال ) : بالحاء ، وهي الأسباب . وقيل : الطرق .

وفي بعض نسخ البخاري : «الجبال » بالجيم .

وروي : «الحيل » جمع «حيلة » . وكل صحيح .

(في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم ، إلا بالله عز وجل ، ثم بك . أسألك : بالذي أعطاك : اللون الحسن ، والجلد الحسن ، والمال : بعيرا أتبلغ عليه في سفري . فقال : الحقوق كثيرة . فقال له : كأني أعرفك ؛ ألم تكن أبرص ، يقذرك الناس ؟ فقيرا ، فأعطاك الله ؟ فقال : إنما ورثت هذا المال : كابرا ، عن كابر ) أي : ورثته عن آبائي ، الذين ورثوه من أجدادي ، الذين ورثوه من آبائهم : كبيرا عن كبير (في العز ، والشرف ، والثروة ) .

(فقال : إن كنت كاذبا ، فصيرك الله إلى ما كنت .

قال : وأتى الأقرع - في صورته ، وهيئته - فقال له مثل ما قال لهذا . ورد عليه مثل ما رد على هذا . فقال : إن كنت كاذبا ، فصيرك الله إلى ما كنت .

قال : وأتى الأعمى - في صورته وهيئته - فقال له : رجل مسكين ، وابن سبيل ، انقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ لي اليوم ، إلا بالله ، ثم بك . أسألك : بالذي رد عليك بصرك : شاة أتبلغ بها في سفري .

[ ص: 531 ] فقال : قد كنت أعمى ، فرد الله إلي بصري . فخذ ما شئت ، ودع ما شئت . فوالله ! لا أجهدك - اليوم - شيئا أخذته لله تعالى ) .

هكذا هو في رواية الجمهور : «أجهدك » بالجيم ، والهاء . وفي رواية ابن ماهان : «أحمدك » بالحاء ، والميم .

ووقع في البخاري بالوجهين . لكن الأشهر في مسلم : «بالجيم » . وفي البخاري : «بالحاء » .

ومعنى الجيم : لا أشق عليك ، برد شيء تأخذه ، أو تطلبه من مالي . «والجهد » : المشقة .

ومعناه بالحاء : لا أحمدك بترك شيء تحتاج إليه ، أو تريده . فتكون لفظة «الترك » : محذوفة مرادة . كما قال الشاعر :


ليس على طول الحياة ندم



أي : فوات طول الحياة .

(فقال : أمسك مالك ، فإنما ابتليتم ، فقد رضي عنك ، وسخط على صاحبيك ) : الأبرص ، والأقرع .

وفي هذا الحديث : الحث على الرفق بالضعفاء ، وإكرامهم ، وتبليغهم ما يطلبون : مما يمكن . والحذر : من كسر قلوبهم ، واحتقارهم .

وفيه : التحدث بنعمة الله تعالى ، وذم جحدها . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية