السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
1354 باب إنزال القرآن على سبعة أحرف

وقال النووي - في الجزء الثاني - (باب بيان أن القرآن ، نزل على سبعة أحرف ، وبيان معناه ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ، ص 98 ، 99 ج6 ، المطبعة المصرية

(عن عبد الرحمن بن عبد القاري ؛ قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان -على غير ما أقرؤها- وكان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم أقرأنيها . فكدت : أن أعجل عليه . ثم أمهلته ، حتى انصرف . ثم لببته بردائه ، فجئت به رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ! إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان : على غير ما أقرأتنيها .

فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : «أرسله . اقرأ » . فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ .

[ ص: 615 ] فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : «هكذا أنزلت » . ثم قال لي : «اقرأ » فقرأت . فقال :
«هكذا أنزلت . إن هذا القرآن ، أنزل على سبعة أحرف ، فاقرءوا ما تيسر منه » ) .



(الشرح)

(عن عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه ؛ (قال : سمعت هشام بن حكيم بن حزام ، يقرأ سورة الفرقان - على غير ما أقرؤها - . وكان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم أقرأنيها . فكدت أن أعجل عليه . ثم أمهلته ، حتى انصرف . ثم لببته بردائه ) بتشديد الباء الأولى ، معناه : أخذت بمجامع ردائه - في عنقه - وجررته به ، مأخوذ من «اللبة » ، بفتح اللام ، لأنه يقبض عليها .

وفي هذا : بيان ما كانوا عليه ، من الاعتناء بالقرآن ، والذب عنه ، والمحافظة على لفظه ، كما سمعوه : من غير عدول إلى ما يجوزه العربية .

(فجئت به رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فقلت : يا رسول الله ! إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان : على غير ما أقرأتنيها . فقال رسول [ ص: 616 ] الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : «أرسله . اقرأ » فقرأ التي سمعته يقرأ ) .

أمر النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم عمر : بإرساله ، لأنه لم يثبت عنده ما يقتضي تعزيره ، ولأن عمر ، إنما نسبه إلى مخالفته في القراءة . والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، يعلم من جواز القراءة ووجوهها : ما لا يعلمه عمر . ولأنه إذا قرأ - وهو لبيب - لم يتمكن من حضور البال ، وتحقيق القراءة : تمكن المطلق .

(فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : «هكذا أنزلت » . ثم قال لي : «اقرأ » فقرأت . فقال : «هكذا أنزلت . إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرأوا ما تيسر منه » ) .

قال العلماء : سبب إنزاله على سبعة : التخفيف ، والتسهيل . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «هون على أمتي » ، كما صرح به في الرواية الأخرى .

[ ص: 617 ] قال النووي : واختلف العلماء في المراد «بسبعة أحرف » ؛ قال عياض : قيل : هو توسعة وتسهيل ، لم يقصد به الحصر . قال : وقال الأكثرون : هو حصر للعدد في سبعة . ثم قيل : هي سبعة في المعاني (كالوعد ، والوعيد ، والمحكم ، والمتشابه ، والحلال ، والحرام ، والقصص ، والأمثال ، والأمر ، والنهي ) . ثم اختلف هؤلاء في تعيين السبعة .

وقال آخرون : هي في أداء التلاوة ، وكيفية النطق بكلماتها : من إدغام ، وإظهار ، وتفخيم ، وترقيق ، وإمالة ، ومد . لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه ، فيسر الله تعالى عليهم ، ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته ، ويسهل على لسانه .

وقال آخرون : هي الألفاظ والحروف . وإليه أشار «ابن شهاب » بما رواه مسلم عنه ، في الكتاب . ثم اختلف هؤلاء ؛

فقيل : سبع قراءات وأوجه .

وقال أبو عبيد : سبع لغات العرب ؛ يمنها ، ومعدها ، وهي أفصح اللغات وأعلاها .

وقيل : بل السبعة كلها لمضر وحدها . وهي متفرقة في القرآن ، غير مجتمعة في كلمة واحدة .

وقيل : بل هي مجتمعة في بعض الكلمات : كقوله تعالى : [ ص: 618 ] «وعبد الطاغوت » و «نرتع ونلعب » ، «وباعد بين أسفارنا » «وبعذاب بئيس » وغير ذلك .

قال الباقلاني : الصحيح أن هذه الأحرف السبعة : ظهرت ، واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وضبطها عنه الأمة ، وأثبتها عثمان والجماعة في المصاحف ، وأخبروا بصحتها . وإنما حذفوا منها : ما لم يثبت متواترا . وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة ، وألفاظها أخرى . وليست متضادة ، ولا متنافية .

وذكر الطحاوي : أن القراءة بالأحرف السبعة : كانت في أول الأمر خاصة للضرورة : لاختلاف لغة العرب ، ومشقة أخذ جميع الطوائف : بلغة . فلما كثر الناس والكتاب ، وارتفعت الضرورة : كانت قراءة واحدة .

قال الداودي : وهذه القراءات السبع ، التي يقرأ الناس اليوم بها : ليس كل حرف منها ، هو أحد تلك السبعة . بل تكون مفرقة فيها .

وقال ابن أبي صفرة : هذه القراءات السبع : إنما شرعت من حرف واحد ، من السبعة المذكورة في الحديث . وهو الذي جمع عثمان عليه المصحف . وهذا ذكره النحاس وغيره . قال غيره : ولا تمكن القراءة [ ص: 619 ] بالسبع ) المذكورة في الحديث : في ختمة واحدة . ولا يدرى أي هذه القراءات : كان آخر العرض على النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم . وكلها : مستفيضة عن النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم . ضبطها عنه : الأمة ، وأضافت كل حرف منها إلى من أضيف إليه ، من الصحابة . أي : أنه كان أكثر قراءة به . كما أضيف كل قراءة منها : إلى من اختار القراءة بها ، من القراء السبعة ، وغيرهم .

قال المازري : وأما قول من قال : المراد سبعة معان مختلفة ، كالأحكام ، والأمثال ، والقصص : فخطأ ؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم ، أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف ، وإبدال حرف بحرف . وقد تقرر إجماع المسلمين : أنه يحرم إبدال آية أمثال ، بآية أحكام .

قال : وقول من قال : المراد خواتيم الآي «فيجعل مكان غفور رحيم : سميع بصير » : فاسد أيضا ، للإجماع على منع تغيير القرآن للناس . هذا مختصر ما نقله القاضي عياض ، في المسألة . والله أعلم . انتهى كلام النووي .

[ ص: 620 ] قلت : والراجح أن المراد بسبعة أحرف : سبع لغات العرب . وبه قال الشوكاني في «إرشاد الفحول ، إلى تحقيق الحق من علم الأصول » ورجحه . وبه قلت في «حصول المأمول ، من علم الأصول » . وبه قال جمع من العلماء الفحول . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية