السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
5348 باب في قوله تعالى : ومن يقتل مؤمنا متعمدا

وأورده النووي ، في : (كتاب التفسير ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ، ص 160 ج 18 ، المطبعة المصرية

قال الإمام مسلم : (حدثني عبد الله بن هاشم ، وعبد الرحمن بن بشر العبدي ؛ قالا : حدثنا يحيى -وهو ابن سعيد القطان- عن ابن جريج ؛ حدثني القاسم بن أبي بزة ؛ عن سعيد بن جبير ؛ قال : قلت لابن عباس : ألمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة ؟ قال : لا .

قال : فتلوت عليه هذه الآية ، التي في الفرقان : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى آخر [ ص: 670 ] الآية . قال : هذه آية مكية ، نسختها آية مدنية : ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها .

وفي رواية ابن هاشم : فتلوت عليه هذه الآية ، التي في الفرقان : إلا من تاب ) .


(الشرح)

(عن سعيد بن جبير ؛ قال : قلت لابن عباس : ألمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة ؟ قال : لا . قال : فتلوت عليه هذه الآية ، التي في الفرقان : « والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى آخر الآية ) . قال : هذه آية مكية ، نسختها آية مدنية : « ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم ، خالدا فيها .

وفي رواية : «فتلوت عليه هذه الآية ، التي في الفرقان : «إلا من تاب » .

قال النووي : هذا هو المشهور عن ابن عباس . وروي عنه : أن له توبة ، وجواز المغفرة له ، لقوله تعالى : « ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما .

[ ص: 671 ] قال : وهذه الرواية الثانية ، هي مذهب جميع أهل السنة والصحابة والتابعين ، ومن بعدهم .

وما روي عن بعض السلف ، مما يخالف هذا : محمول على التغليظ ، والتحذير من القتل ، والتورية في المنع منه . وليس في هذه الآية التي احتج بها ابن عباس ، رضي الله عنهما : تصريح بأنه يخلد . وإنما فيها : أنه جزاؤه جهنم . ولا يلزم منه : أنه يجازى . وقد سبق تقرير هذه المسألة ، وبيان معنى الآية في كتاب التوبة . انتهى .

وفي (فتح البيان ): قد جاءت هذه الآية بتغليظ عقوبة القاتل عمدا . فجمع الله له فيها : بين كون جهنم جزاء له - أي يستحقها بسبب هذا الذنب - وبين كونه خالدا فيها ، وبين غضب الله ولعنته له ، وإعداده له : عذابا عظيما . وليس وراء هذا التشديد : تشديد ، ولا مثل هذا الوعيد : وعيد .

وقد اختلف العلماء ؛ هل لقاتل العمد توبة أم لا ، فذكره .

ثم قال : والحق : أن باب التوبة لم يغلق دون كل عاص ، بل هو مفتوح لكل من قصده ورام الدخول منه . وإذا كان الشرك - وهو أعظم [ ص: 672 ] الذنوب ، وأشدها - تمحوه التوبة إلى الله ، ويقبل من صاحبه الخروج منه والدخول في باب التوبة ، فكيف بما دونه من المعاصي ، التي من جملتها القتل عمدا ؟ لكن لا بد في توبة قاتل العمد : من الاعتراف بالقتل ، وتسليم نفسه بالقصاص - إن كان واجبا - أو تسليم الدية إن لم يكن القصاص واجبا ، وكان القاتل غنيا متمكنا من تسليمها أو بعضها .

وأما مجرد التوبة من القاتل عمدا ، وعزمه على أن لا يعود إلى قتل أحد ، من دون اعتراف ولا تسليم نفس : فنحن لا نقطع بقبولها . والله أرحم الراحمين ، هو الذي يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون . انتهى . وهذا القدر يكفي - في هذا المقام - لثلج الصدر ، وطمأنينة النفس : بمعرفة المسألة هذه .

التالي السابق


الخدمات العلمية