السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
5334 سورة المائدة : باب في قوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم

وهو في النووي ، في : (كتاب التفسير ) .

[ ص: 676 ] (حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ، ص 154 ج 18 ، المطبعة المصرية

(عن طارق بن شهاب؛ قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر، فقال: يا أمير المؤمنين! آية في كتابكم تقرءونها، لو علينا نزلت -معشر اليهود-، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا .

قال: وأي آية؟ قال:
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا .

فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه، والمكان الذي نزلت فيه -نزلت على رسول الله، صلى الله عليه وسلم: بعرفات، في يوم جمعة- ) .



(الشرح)

(عن طارق بن شهاب ؛ قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر ، فقال : يا أمير المؤمنين ! آية في كتابكم ، تقرأونها ، لو علينا نزلت - معشر يهود - لاتخذنا ذلك اليوم عيدا .

قال : وأي آية ؟ قال : «اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينا .

فقال عمر : إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه ، والمكان الذي نزلت فيه ؛ نزلت على رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : بعرفات ، في يوم جمعة ) .

[ ص: 677 ] وفي رواية (أن اليهود قالوا لعمر : إنكم تقرأون آية ، لو أنزلت فينا : لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . فقال عمر : إني لأعلم حيث أنزلت ، وأي يوم أنزلت ، وأين رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث أنزلت : أنزلت بعرفة ، ورسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : واقف بعرفة ) .

وفي أخرى : (أنزلت ليلة جمع ، ونحن مع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : بعرفات ) هكذا هو في النسخ ، الرواية : «ليلة جمع » .

وفي نسخة ابن ماهان : «ليلة جمعة » .

قال النووي : وكلاهما صحيح . فمن روى «ليلة جمع » : فهي ليلة المزدلفة . وهو المراد بقوله : «ونحن بعرفات ، في يوم جمعة » . لأن ليلة جمع ، هي عشية يوم عرفات . ويكون المراد بقوله «ليلة جمعة » : يوم جمعة .

ومراد عمر رضي الله عنه : أنا قد اتخذنا ذلك اليوم عيدا من وجهين ؛ فإنه يوم عرفة ، ويوم جمعة . وكل واحد منهما عيد ، لأهل الإسلام . انتهى .

[ ص: 678 ] قلت : المراد بقوله : اليوم أكملت - على ما في(فتح البيان )- : يوم الجمعة ، وكان يوم عرفة ، بعد العصر ، في حجة الوداع . هكذا ثبت في الصحيحين ، من حديث عمر .

وقيل : نزلت في يوم الحج الأكبر .

وقال ابن عباس : «نزلت في يوم عيدين : في يوم جمعة ، وعرفة » . أخرجه الترمذي ، وقال حسن غريب .

وفي معنى الإكمال : أقوال ضعيفة . ولا معنى للإكمال ، إلا وفاء النصوص بما يحتاج إليه الشرع : إما بالنص على كل فرد فرد ، أو باندراج ما يحتاج إليه : تحت العمومات الشاملة .

وقد صح عنه ، صلى الله عليه وآله وسلم ؛ أنه قال : «تركتكم على الواضحة ، ليلها كنهارها » . وجاءت نصوص الكتاب العزيز : بإكمال الدين ، وبما يفيد هذا المعنى ويصحح دلالته ، ويؤيد برهانه .

ويكفي في دفع الرأي - وأنه ليس من الدين - : قول الله تعالى هذا . فإنه إذا كان الله قد أكمل دينه ، قبل أن يقبض إليه نبيه ، صلى الله عليه وآله وسلم : فما هذا الرأي ، الذي أحدثه أهله ، بعد أن أكمل الله دينه ؟ لأنه [ ص: 679 ] إن كان من الدين في اعتقادهم : فهو لم يكمل عندهم ، إلا برأيهم . وهذا فيه رد للقرآن . وإن لم يكن من الدين : فأي فائدة في الاشتغال بما ليس منه ، وما ليس سنة ؟ فهو رد بنص السنة المطهرة ، كما ثبت في الصحيح . وهذه حجة قاهرة ، ودليل باهر ، لا يمكن أهل الرأي أن يدفعوه بدافع أبدا . فاجعل هذه الآية الشريفة ، أول ما تصك به : وجوه أهل الرأي ، وترغم به آنافهم ، وتدحض به حجتهم . فقد أخبرنا الله تعالى - في محكم كتابه - أنه أكمل دينه . ولم يمت رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : إلا بعد أن أخبرنا بهذا الخبر عن الله عز وجل . فمن جاء بشيء من عند نفسه ، وزعم أنه من ديننا : قلنا له : إن الله أصدق منك ومن أصدق من الله قيلا ؟ » اذهب لا حاجة لنا في رأيك . وليت المقلدة للمذاهب ، والمتبعة للفروع ، والمتمسكة بآراء الرجال : فهموا هذه الآية حق الفهم ، حتى يستريحوا ويريحوا .

والكلام في هذا المقام يطول جدا ، إن شئت أن تطلع عليه ، وتسكن إليه : فعليك (بفتح البيان ) في هذا الموضع ، وفي غيره من المواضع ، التي لها دلالة واضحة : على رد التقليدات .

التالي السابق


الخدمات العلمية