السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
5104 سورة الأنبياء : باب في قوله عز وجل : « كما بدأنا أول خلق نعيده

وهو في النووي ، في : (باب فناء الدنيا ، وبيان الحشر يوم القيامة ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ، ص 193 ، 194 ج 17 ، المطبعة المصرية

قال الإمام مسلم : (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع . ح [ ص: 721 ] وحدثنا عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي -كلاهما عن شعبة- . ح وحدثنا محمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار -واللفظ لابن المثنى- ؛ قال : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة : عن المغيرة بن النعمان ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ؛ قال : قام فينا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، خطيبا بموعظة ؛ فقال : «يا أيها الناس ! إنكم تحشرون -إلى الله- حفاة عراة غرلا ، كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين .

ألا ! وإن أول الخلائق يكسى -يوم القيامة- : إبراهيم «عليه السلام » .

ألا ! وإنه سيجاء برجال من أمتي ، فيؤخذ بهم ذات الشمال . فأقول : يا رب ! أصحابي .

فيقال : إنك لا تدري : ما أحدثوا بعدك .

فأقول -كما قال العبد الصالح- : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم .

قال : فيقال لي : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم ، منذ فارقتهم » .


وفي حديث وكيع ، ومعاذ : «فيقال : إنك لا تدري : ما أحدثوا بعدك » ) .

[ ص: 722 ]


(الشرح)

(عن ابن عباس رضي الله عنهما ؛ قال : قام فينا رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، خطيبا بموعظة ؛ فقال : يا أيها الناس ! إنكم محشورون إلى الله ، عز وجل حفاة ) جمع حاف . (عراة ) : جمع عار (غرلا ) بضم الغين وإسكان الراء : غير مختونين . جمع «أغرل » وهو الذي لم يختن ، وبقيت معه غرلته ، وهي قلفته : وهي الجلدة التي تقطع في الختان . قال الأزهري وغيره : هو الأغرل ، والأرغل ، والأغلف ، والأقلف ، والأعرم . وجمعه : (غرل ، ورغل ، وغلف ، وقلف ، وعرم ) .

(كما بدأنا أول خلق نعيده ) المقصود : أنهم يحشرون كما خلقوا ، لا شيء معهم ، ولا يفقد منهم شيء ، حتى الغرلة تكون معهم .

قال في (فتح البيان ) أي : نعيده بعد إعدامه ، تشبيها للإعادة بالابتداء : في تناول القدرة لهما على السواء . أي : كما بدأناهم في بطون أمهاتهم ، وأخرجناهم إلى الأرض - حفاة ، عراة ، غرلا - ؛ كذلك نعيدهم يوم القيامة . وإنما خص أول الخلق بالذكر : تصويرا للإيجاد عن العدم .

[ ص: 723 ] والمقصود : بيان صحة الإعادة ، بالقياس على المبدأ ، لشمول الإمكان الذي لهما (وعدا علينا ) : إنجازه ، والوفاء به ، وهو البعث والإعادة .

(إنا كنا فاعلين ) أي : محققين هذا الوعد ، فاستعدوا له ، وقدموا صالح الأعمال : للخلاص من هذه الأهوال .

قال الزجاج : معناه : إنا كنا قادرين على ما نشاء . وقيل : فاعلين ما وعدناكم . ومثله قوله : وكان وعدا مفعولا .

(ألا ؛ وإن أول الخلائق يكسى - يوم القيامة - : إبراهيم عليه السلام ) لأنه أول من ألقي في النار عريانا في سبيل الله ، فيكسى ، قبل الخلائق كلهم : في الآخرة . (ألا ؛ وإنه سيجاء برجال من أمتي ، فيؤخذ بهم : ذات الشمال ، فأقول : يا رب ! أصحابي . فيقال : إنك لا تدري : ما أحدثوا بعدك ) .

قال النووي : هذا الحديث ، سبق شرحه في كتاب الطهارة . وهذه الرواية : تؤيد قول من قال - هناك - المراد به : الذين ارتدوا عن الإسلام . انتهى .

وحاصل ما شرح - في الجزء الأول - في كتاب الطهارة : اختلف [ ص: 724 ] العلماء في المراد به على أقوال ؛

أحدها : أن المراد به : المنافقون والمرتدون ، فيجوز : أن يحشروا بالغرة والتحجيل ، فيناديهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم : بالسيماء التي عليهم ، فيقال : ليس هؤلاء مما وعدت بهم . إن هؤلاء بدلوا بعدك . أي : لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم .

والثاني : أن المراد : من كان في زمن النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم ارتد بعده . فيناديهم النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن لم يكن عليهم سيماء الوضوء ، لما كان يعرفه صلى الله عليه وآله وسلم في حياته : من إسلامهم . فيقال : ارتدوا بعدك .

الثالث : أن المراد به : أصحاب المعاصي والكبائر ، الذين ماتوا على التوحيد ، وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام . (وعلى هذا القول ، لا يقطع لهؤلاء الذين يذادون : بالنار ) بل يجوز : أن يذادوا . عقوبة لهم ، ثم يرحمهم الله سبحانه وتعالى ، فيدخلهم الجنة بغير عذاب .

وقال الإمام الحافظ « أبو عمرو بن عبد البر » : كل من أحدث في الدين ، فهو من المطرودين عن الحوض : كالخوارج ، والروافض ، وسائر أصحاب الهواء . قال : وكذلك الظلمة ، المسرفون في الجور وطمس الحق ، والمعلنون بالكبائر .

قال : وكل هؤلاء يخاف عليهم : أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر . والله أعلم . انتهى .

[ ص: 725 ] (فأقول - كما قال العبد الصالح ) يعني : عيسى عليه السلام : ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شيء شهيد . إن تعذبهم فإنهم عبادك ، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) قاله على وجه الاستعطاف ، كما يستعطف السيد بعبده . ولهذا لم يقل : «إن تعذبهم ، فإنهم عصوك » .

وقيل : قاله على وجه التسليم لأمر الله ، والانقياد له . والأول : أشبه . والله أعلم .

(قال : فيقال لي : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم ، مذ فارقتهم ) . تقدم الكلام على هذه الجملة قريبا ، ويدخل في ذلك : كل من ارتد على عقبه من أهل البدعات والمحدثات : (في العقائد ، والأعمال ) ومن هؤلاء : المقلدة ، الذين يرجحون أقوال الرجال : على أقوال الله ، وأقوال رسوله ، صلى الله عليه وآله وسلم . ويذرون النصوص ، ويتمسكون بالقياسات (في مقابلتها ) ، ويأخذون العقائد : من كتب المتكلمين ، ولا يأخذونها : من دواوين السنة ، ولا من كتاب رب العالمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية