السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4974 سورة النور : باب في قوله تعالى : « إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم

وقال النووي : (باب في حديث الإفك ، وقبول توبة القاذف ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ، ص 102 - 114 ، ج17 ، المطبعة المصرية

قال الإمام مسلم : (حدثنا حبان بن موسى ؛ أخبرنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا يونس بن يزيد الأيلي . ح وحدثنا إسحق بن إبراهيم الحنظلي ، ومحمد بن رافع ، وعبد بن حميد : -قال : ابن رافع : حدثنا . وقال الآخران : أخبرنا -عبد الرزاق ؛ أخبرنا معمر . [ ص: 728 ] والسياق : حديث معمر ، من رواية عبد وابن رافع .

قال يونس ومعمر (جميعا (عن الزهري ؛ أخبرني سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ؛ عن حديث عائشة -زوج النبي صلى الله عليه وسلم- حين قال : لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله مما قالوا . وكلهم حدثني طائفة من حديثها . وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض ، وأثبت اقتصاصا . وقد وعيت عن كل واحد منهم : الحديث الذي حدثني . وبعض حديثهم يصدق بعضا ؛ ذكروا : أن عائشة -زوج النبي صلى الله عليه وسلم- قالت : كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إذا أراد أن يخرج سفرا : أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها : خرج بها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، معه .

قالت عائشة : فأقرع بيننا في -غزوة غزاها- فخرج فيها سهمي ، فخرجت مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، -وذلك بعد ما أنزل الحجاب- فأنا أحمل في هودجي ، وأنزل فيه : مسيرنا ، حتى إذا فرغ رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، من غزوه وقفل ، ودنونا من المدينة : آذن -ليلة- بالرحيل ، فقمت -حين آذنوا بالرحيل- فمشيت ، حتى جاوزت الجيش . فلما قضيت من شأني : أقبلت إلى الرحل ، فلمست صدري ، فإذا عقدي -من جزع ظفار- قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه . وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي ، فحملوا هودجي ، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب -وهم يحسبون أني فيه- .

[ ص: 729 ] قالت : وكانت النساء -إذ ذاك- خفافا ، لم يهبلن ، ولم يغشهن اللحم . إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم : ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه . وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي -بعد ما استمر الجيش- ، فجئت منازلهم ، وليس بها داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه . وظننت : أن القوم سيفقدوني ، فيرجعون إلي .

فبينا أنا جالسة في منزلي : غلبتني عيني ، فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ، ثم الذكواني : قد عرس من وراء الجيش ، فادلج ، فأصبح عند منزلي : فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني -حين رآني- وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي ، فاستيقظت باسترجاعه ، حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، ووالله ! ما يكلمني كلمة ، ولا سمعت منه كلمة : غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يدها ، فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة ، حتى أتينا الجيش ، بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك في شأني ، وكان الذي تولى كبره : عبد الله بن أبي ابن سلول ، فقدمنا المدينة ، فاشتكيت -حين قدمنا المدينة- شهرا ، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي : أني لا أعرف من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : اللطف الذي كنت أرى منه -حين أشتكي- إنما يدخل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فيسلم ، ثم يقول : «كيف تيكم ؟ » فذاك يريبني ، ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعد ما نقهت ، وخرجت معي أم مسطح ، قبل المناصع -وهو متبرزنا- ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك [ ص: 730 ] قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا : أمر العرب الأول ، في التنزه . وكنا نتأذى بالكنف : أن نتخذها عند بيوتنا .

فانطلقت أنا وأم مسطح -وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، وأمها : ابنة صخر بن عامر ، خالة أبي بكر الصديق ، وابنها : مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب- .

فأقبلت أنا وبنت أبي رهم : قبل بيتي ، حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس مسطح . فقلت لها : بئس ما قلت ، أتسبين رجلا قد شهد بدرا ؟

قالت : أي هنتاه ! أولم تسمعي ما قال ؟ قلت : وماذا قال ؟

قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي .

فلما رجعت إلى بيتي ، فدخل علي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فسلم ، ثم قال : «كيف تيكم ؟ » .

قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ -قالت : وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما- فأذن لي رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فجئت أبوي ، فقلت لأمي : يا أمتاه ! ما يتحدث الناس ؟

فقالت : يا بنية ! هوني عليك ، فوالله ! لقلما كانت امرأة -قط- وضيئة عند رجل يحبها ، ولها ضرائر : إلا كثرن عليها .

قالت : قلت : سبحان الله ! وقد تحدث الناس بهذا ؟

قالت : فبكيت -تلك الليلة- حتى أصبحت ، لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي . ودعا رسول الله ، صلى الله عليه [ ص: 731 ] وسلم : علي بن أبي طالب ، ، وأسامة بن زيد -حين استلبث الوحي- يستشيرهما في فراق أهله ؛

قالت : فأما أسامة بن زيد ، فأشار على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم في نفسه لهم : من الود ؛ فقال : يا رسول الله ! هم أهلك ، ولا نعلم إلا خيرا .

وأما علي بن أبي طالب ، فقال : لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية : تصدقك .

قالت : فدعا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : بريرة ، فقال : «أي بريرة ! هل رأيت من شيء يريبك من عائشة ؟ » .

قالت له بريرة : والذي بعثك بالحق ! إن رأيت عليها أمرا -قط- أغمصه عليها : أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها ، فتأتي الداجن فتأكله .

قالت : فقام رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، على المنبر ، فاستعذر من عبد الله بن أبي ، ابن سلول ؛

قالت : فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم -وهو على المنبر- : «يا معشر المسلمين !
من يعذرني من رجل ، قد بلغ أذاه في أهل بيتي . فوالله ! ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ، ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي : إلا معي » ، فقام سعد بن معاذ الأنصاري ؛ فقال : أنا أعذرك منه ، يا رسول الله ! إن كان من الأوس : ضربنا عنقه . وإن كان من إخواننا الخزرج : أمرتنا ، ففعلنا أمرك . قالت :

[ ص: 732 ] فقام سعد بن عبادة -وهو سيد الخزرج- وكان رجلا صالحا ، ولكن اجتهلته الحمية ، فقال لسعد بن معاذ : كذبت ، لعمر الله ! لا تقتله ، ولا تقدر على قتله ، فقام أسيد بن حضير -وهو ابن عم سعد بن معاذ- ، فقال لسعد بن عبادة : كذبت ، لعمر الله ! لنقتلنه ، فإنك منافق ، تجادل عن المنافقين .

فثار الحيان «الأوس ، والخزرج » ، حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قائم على المنبر . فلم يزل رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يخفضهم حتى سكتوا ، وسكت .

قالت : وبكيت -يومي ذلك- لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، ثم بكيت -ليلتي المقبلة- لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، وأبواي يظنان : أن البكاء فالق كبدي .

فبينما هما جالسان عندي -وأنا أبكي- ، استأذنت علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها ؛ فجلست تبكي .

قالت : فبينا نحن على ذلك : دخل علينا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فسلم ، ثم جلس .

قالت : ولم يجلس عندي ، منذ قيل لي ما قيل -وقد لبث شهرا ، لا يوحى إليه في شأني بشيء- .

قالت : فتشهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم -حين جلس- ثم قال : «أما بعد ! يا عائشة ! فإنه قد بلغني عنك : كذا ، وكذا . فإن كنت بريئة : فسيبرئك الله . وإن كنت ألممت بذنب : فاستغفري الله ، وتوبي إليه ؛ فإن العبد ، إذا اعترف بذنب ، ثم تاب : تاب الله عليه » .

[ ص: 733 ] قالت : فلما قضى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، مقالته : قلص دمعي ، حتى ما أحس منه قطرة ،

فقلت لأبي : أجب عني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فيما قال .

فقال : والله ! ما أدري : ما أقول لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

فقالت : والله ! ما أدري : ما أقول لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

فقلت -وأنا جارية حديثة السن ، لا أقرأ كثيرا من القرآن- : إني والله ! لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا ، حتى استقر في نفوسكم ، وصدقتم به ؛

فإن قلت لكم : إني بريئة (والله يعلم أني بريئة ) : لا تصدقوني بذلك .

ولئن اعترفت لكم بأمر (والله يعلم أني بريئة ) : لتصدقونني .

وإني -والله !- ما أجد لي ولكم مثلا ، إلا كما قال أبو يوسف : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون . قالت : ثم تحولت ، فاضطجعت على فراشي .

قالت : وأنا -والله !- حينئذ ، أعلم أني بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي . ولكن -والله !- ما كنت أظن أن ينزل -في شأني- وحي يتلى . ولشأني كان أحقر -في نفسي- من أن يتكلم الله عز وجل في : [ ص: 734 ] بأمر يتلى . ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في النوم -رؤيا يبرئني الله بها .

قالت : فوالله ! ما رام رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد ، حتى أنزل الله عز وجل ، على نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، فأخذه : ما كان يأخذه ، من البرحاء -عند الوحي- حتى إنه ليتحدر منه : مثل الجمان ، من العرق ، في اليوم الشات -من ثقل القول الذي أنزل عليه- .

قالت : فلما سري عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم -وهو يضحك- ، فكان أول كلمة تكلم بها ؛ أن قال : «أبشري يا عائشة ! أما الله فقد برأك » .

فقالت لي أمي : قومي إليه . فقلت : والله ! لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله ، هو الذي أنزل براءتي .

قالت : فأنزل الله عز وجل : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم عشر آيات .

فأنزل الله عز وجل : هؤلاء الآيات ، براءتي .

قالت : فقال أبو بكر ، -وكان ينفق على مسطح لقرابته منه ، وفقره- : والله ! لا أنفق عليه : شيئا أبدا -بعد الذي قال لعائشة - ، فأنزل الله عز وجل : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى إلى قوله : ألا تحبون أن يغفر الله لكم .

قال حبان بن موسى : قال عبد الله بن المبارك : هذه أرجى آية في كتاب الله .

[ ص: 735 ] فقال أبو بكر : والله ! إني لأحب أن يغفر الله لي ؛ فرجع إلى مسطح : النفقة ، التي كان ينفق عليه ، وقال : لا أنزعها منه أبدا .

قالت عائشة : وكان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، سأل زينب بنت جحش (زوج النبي صلى الله عليه وسلم ) عن أمري : ما علمت ؟ أو ما رأيت ؟

فقالت : يا رسول الله ! أحمي سمعي ، وبصري . والله ! ما علمت إلا خيرا . قالت عائشة : وهي التي كانت تساميني -من أزواج النبي ، صلى الله عليه وسلم- ، فعصمها الله بالورع . وطفقت أختها «حمنة بنت جحش » تحارب لها ، فهلكت -فيمن هلك- .


قال الزهري : فهذا ما انتهى إلينا ، من أمر هؤلاء الرهط .

وقال -في حديث يونس- : احتملته الحمية ) .


(الشرح)

(عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ؛ عن حديث عائشة ، رضي الله عنها - زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها [ ص: 736 ] الله مما قالوا . وكلهم حدثني طائفة من حديثها ، وكان بعضهم أوعى لحديثها من بعض ، وأثبت اقتصاصا ) أي : أحفظ ، وأحسن : إيرادا ، وسردا للحديث .

(وقد وعيت عن كل واحد منهم : الحديث الذي حدثني . وبعض حديثهم يصدق بعضا ) . هذا الذي ذكره الزهري ، من جمعه الحديث عنهم : جائز لا منع منه ، ولا كراهة فيه ، لأنه قد بين بعض الحديث عن بعضهم ، وبعضه عن بعضهم . وهؤلاء الأربعة : أئمة حفاظ ثقات ، من أجل التابعين . فإذا ترددت اللفظة من هذا الحديث (بين كونها عن هذا ، أو ذاك ) : لم يضر ، وجاز الاحتجاج بها ، لأنهما ثقتان . وقد اتفق العلماء على أنه ، لو قال : حدثني زيد ، أو عمرو - وهما ثقتان ، معروفان بالثقة عند المخاطب - : جاز الاحتجاج به .

(ذكروا : أن عائشة - زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم - قالت : كان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إذا أراد أن يخرج سفرا : أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها : خرج بها رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم معه ) .

قال النووي : هذا دليل لمالك ، والشافعي ، وأحمد ، وجماهير العلماء : في العمل بالقرعة : في القسم بين الزوجات ، وفي العتق ، [ ص: 737 ] والوصايا ، والقسمة ، ونحو ذلك . وقد جاءت فيها أحاديث كثيرة (في الصحيح ) مشهورة . قال أبو عبيد : عمل بها ثلاثة من الأنبياء «عليهم السلام » : يونس ، وزكريا ، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم .

قال ابن المنذر : استعمالها كالإجماع قال : ولا معنى لقول من ردها .

والمشهور عن أبي حنيفة : إبطالها . وحكي عنه : إجازتها . قال ابن المنذر وغيره : القياس تركها ، لكن عملنا بها للآثار .

وفيه : القرعة بين النساء ، عند إرادة السفر ببعضهن . ولا يجوز : أخذ بعضهن بغير قرعة ، هذا مذهبنا . وبه قال أبو حنيفة ، وآخرون . وهو رواية عن مالك .

وعنه ؛ رواية : أن له السفر بمن شاء منه بلا قرعة ، لأنها قد تكون : أنفع له في طريقه ، والأخرى : أنفع له في بيته وماله ، انتهى كلام النووي .

وقد بسطت القول على مسألة القرعة ، في كتابي (الظفر اللاضي ) ورجحت العمل بها ، لورود السنة الصحيحة . وما لنا وللقياس ، وللتعليل : في مقابلة النص الثابت الصحيح ؟ ولا قول لأحد ولا رأي له : عند قول [ ص: 738 ] محمد ، صلى الله عليه وآله وسلم . ولعل من أنكرها : أنكر لعدم الاطلاع على الأحاديث الواردة في هذا الباب . ومن بلغه الحديث فيه - ثم جحدها ، أو عللها ، أو ترك القول بها- : فهو مأزور ، أي مأزور .

(قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج فيها سهمي ، فخرجت مع رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم . وذلك بعد ما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي ) بفتح الهاء : مركب من مراكب النساء (وأنزل فيه : مسيرنا ، حتى إذا فرغ رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، من غزوه وقفل ، ودنونا من المدينة : آذن ليلة ، بالرحيل ) روي بالمد وتخفيف الذال ، وبالقصر وتشديدها . أي : أعلم (فقمت - حين آذنوا بالرحيل - فمشيت ، حتى جاوزت الجيش . فلما قضيت من شأني : أقبلت إلى الرحل ، فلمست صدري ، فإذا عقدي - من جزع ظفار - قد انقطع ) .

أما «العقد » : فمعروف ، نحو القلادة .

«والجزع » بفتح الجيم وإسكان الزاي ، هو خرز يماني : في سواد وبياض ، كالعروق .

«وظفار » بفتح الظاء وكسر الراء ، هي مبنية على الكسر . تقول : هذه ظفار وإلى ظفار : بكسر الراء بلا تنوين ، في الأحوال كلها . وهي قرية في اليمن . قال التيفاشي : لا يتيمن بلبسه . ومن تقلده : كثرت همومه ، ورأى [ ص: 739 ] منامات رديئة . وإذا علق على طفل : سال لعابه . وإذا لف على شعر المطلقة : سهلت ولادتها .

(فرجعت فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه . وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي ، فحملوا هودجي ، فرحلوه على بعيري ) هكذا وقع في أكثر النسخ «لي » باللام - وفي بعضها : «بي » بالباء - واللام أجود .

«ويرحلون » : بفتح الياء ، وإسكان الراء ، وفتح الحاء المخففة . أي : يجعلون الرحل على البعير . وهو معنى قولها : «فرحلوه » بالتخفيف .

«والرهط » : هم جماعة دون العشرة .

(الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أني فيه . قالت : وكانت النساء - إذ ذاك - خفافا ، لم يهبلن ) ضبطوه على أوجه ؛ أشهرها : ضم الياء ، وفتح الهاء ، والباء مشددة . أي : يثقلن باللحم والشحم .

والثاني : بفتح الياء والباء ، وإسكان الهاء بينهما .

والثالث : بفتح الياء وضم الموحدة . ويجوز : بضم أوله وإسكان الهاء ، وكسر الموحدة .

قال أهل اللغة : يقال : هبله اللحم ، وأهبله : إذا أثقله ، وكثر لحمه وشحمه .

[ ص: 740 ] وفي رواية البخاري : «لم يثقلن » وهو بمعناه . وهو أيضا المراد بقولها : (ولم يغشهن اللحم ، إنما يأكلن العلقة ) بضم العين . أي : القليل . ويقال لها أيضا : «البلغة ) (من الطعام ، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج ، حين رحلوه ورفعوه . وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي - بعد ما استمر الجيش - فجئت منازلهم ، وليس بها داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي ) أي : قصدته (الذي كنت فيه . وظننت : أن القوم سيفقدونني ، فيرجعون إلي . فبينا أنا جالسة في منزلي : غلبتني عيني فنمت . وكان صفوان بن المعطل السلمي ) :

بفتح الطاء ، بلا خلاف . كذا ضبطه أبو هلال العسكري ، والقاضي في «المشارق » ، وآخرون .

(ثم الذكواني ) منسوب إلى «ذكوان بن ثعلبة » ، وكان صحابيا فاضلا .

(قد عرس من وراء الجيش) (التعريس » : النزول آخر الليل - في السفر - لنوم ، أو استراحة . وقال أبو زيد : هو النزول أي وقت كان .

والمشهور : الأول .

[ ص: 741 ] (فادلج ) بتشديد الدال ، وهو سير آخر الليل . . (فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان ) أي شخص (نائم ، فأتاني فعرفني - حين رآني - وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب علي ، فاستيقظت باسترجاعه ) أي : انتبهت من نومي ، بقوله : «إنا لله ، وإنا إليه راجعون » ، حين عرفني (فخمرت وجهي ) أي : غطيته (بجلبابي . ووالله ! ما تكلمني كلمة ، ولا سمعت منه كلمة : غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يدها ، فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة ، حتى أتينا الجيش ، بعد ما نزلوا موغرين ) .

«الموغر » بالغين المعجمة : النازل في وقت «الوغرة » : بفتح الواو ، وإسكان الغين . وهي شدة الحر ، كما فسرها في الكتاب - في آخر الحديث - وذكر هناك أن منهم من رواه : «موعرين » بالمهملة ، وهو ضعيف .

(في نحر الظهيرة ) حين بلغت الشمس منتهاها من الارتفاع ، وكأنها وصلت إلى النحر ، وهو «أعلى الصدر » ، أو أولها ، وهو وقت القائلة ، وشدة الحر .

[ ص: 742 ] (فهلك من هلك في شأني ، وكان الذي تولى كبره ) أي : معظمه . وهو بكسر الكاف ، على القراءة المشهورة . وقرئ - في الشواذ - بضمها ، وهي لغة .

( عبد الله بن أبي ابن سلول ) هكذا صوابه «ابن سلول » : برفع «ابن » وكتابته بالألف : صفة لعبد الله . وقد سبق بيانه بمرات .

(فقدمنا المدينة ، فاشتكيت - حين قدمنا المدينة - شهرا ، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ) أي : يخوضون فيه .

«والإفك » : بكسر الهمزة ، وإسكان الفاء ، «هذا هو المشهور » . وحكى القاضي : فتحهما جميعا . قال : هما لغتان «كنجس ونجس » . وهو الكذب . . (ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي : أني لا أعرف من رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : اللطف الذي كنت أعرف منه ، حين أشتكي ) .

«يريبني » : بفتح أوله وضمه . يقال : «رابه ، وأرابه » : إذا أوهمه وشككه .

[ ص: 743 ] «واللطف » : بضم اللام ، وإسكان الطاء . ويقال بفتحهما معا لغتان . وهو البر والرفق .

(إنما يدخل رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فيسلم ثم يقول : كيف تيكم ؟ ) هي إشارة إلى المؤنث ، «كذاكم » في المذكر .

(فذاك يريبني ، ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعدما نقهت ) : بفتح القاف ، وكسرها . لغتان حكاهما الجوهري في (الصحاح ) ، وغيره . والفتح : أشهر . واقتصر عليه جماعة . يقال : نقه ينقه نقوها ، «فهو ناقه » ككلح يكلح كلوحا ، «فهو كالح » . ونقه ينقه نقها «فهو ناقه » ، كفرح يفرح فرحا «فهو فارح » . والجمع : «نقه » ، بضم النون وتشديد القاف .

«والناقه » : هو الذي أفاق من المرض ويبرأ منه وهو قريب عهد به - ، لم يتراجع إليه كمال صحته .

(وخرجت معي أم مسطح ) بكسر الميم : (قبل المناصع ) بفتح الميم . وهي مواضع خارج المدينة ، كانوا يتبرزون فيها . (وهو متبرزنا ) أي : موضع قضاء حاجتنا .

(ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل . وذلك قبل أن نتخذ الكنف ) هي جمع : «كنيف » . قال أهل اللغة : «الكنيف » الساتر مطلقا .

(قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول ، في التنزه ) .

[ ص: 744 ] ضبطوا «الأول » بوجهين ؛

أحدهما : ضم الهمزة ، وتخفيف الواو . والثاني : بفتح الهمزة وتشديد الواو . وكلاهما صحيح .

«والتنزه » : طلب النزاهة ، بالخروج إلى الصحراء .

(وكنا نتأذى بالكنف : أن نتخذها عند بيوتنا .

فانطلقت أنا وأم مسطح : وهي بنت أبي رهم ) بضم الراء وإسكان الهاء (بن المطلب بن عبد مناف . وأمها : بنت صخر بن عامر - خالة أبي بكر الصديق - وابنها : مسطح ) : هو لقب . واسمه : «عامر » . وقيل : «عوف » . كنيته : «أبو عباد » . وقيل : «أبو عبد الله » . توفي سنة «سبع وثلاثين » . وقيل : أربع وثلاثين . واسم أم مسطح : «سلمى » .

(بن أثاثة ) بهمزة مضمومة ، وثاء مكررة . (بن عباد بن المطلب . فأقبلت أنا وبنت أبي رهم : قبل بيتي ، حين فرغنا من شأننا ، فعثرت ) : بفتح الثاء (أم مسطح في مرطها ) : هو كساء من صوف ، وقد يكون من غيره . (فقالت : تعس مسطح ) .

«تعس » بفتح العين وكسرها - لغتان مشهورتان - . واقتصر الجوهري : على الفتح . والقاضي : على الكسر . ورجح بعضهم : الكسر ، وبعضهم : الفتح .

[ ص: 745 ] ومعناه : «عثر » . وقيل : «هلك » . وقيل : «لزمه الشر » . وقيل : «بعد » . وقيل : «سقط بوجهه خاصة » .

(فقلت لها : بئس ما قلت . أتسبين رجلا ، قد شهد بدرا ؟ قالت : أي هنتاه ! أولم تسمعي ما قال ؟ ) .

«هنتاه » : بإسكان النون وفتحها ، والإسكان : أشهر . قال صاحب (نهاية الغريب ) : وتضم الهاء الأخيرة ، وتسكن . ويقال - في التثنية - : «هنتان » ، وفي الجمع : «هنات ، وهنوات » . وفي المذكر : «هن ، وهنان ، وهنون » . ولك أن تلحقها الهاء لبيان الحركة ، فتقول : «يا هنه ! » ، وأن تشبع حركة النون فتصير ألفا ، فتقول : «يا هناه » . ولك ضم الهاء ، فتقول : «يا هناه ! أقبل » .

قالوا : وهذه اللفظة «تختص بالنداء » . ومعناها : «يا هذه ! » . وقيل : «يا امرأة » . وقيل : «يا بلهاء ! » كأنها نسبت إلى قلة المعرفة : بمكائد الناس وشرورهم .

ومن المذكر ؛ حديث الصبي بن معبد ؛ قلت : «يا هناه ! إني حريص على الجهاد » . والله أعلم .

(قلت : وماذا قال ؟ قالت : فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي .

[ ص: 746 ] فلما رجعت إلى بيتي ، فدخل علي رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فسلم ثم قال : «كيف تيكم ؟ » قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ - قالت : وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما - فأذن لي رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فجئت أبوي ، فقلت لأمي : يا أمتاه ! ما يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية ! هوني عليك ، فوالله ! لقل ما كانت امرأة - قط - وضيئة عند رجل يحبها ، ولها ضرائر : إلا كثرن عليها ) .

«الوضيئة » مهموزة ممدودة : على زنة «عظيمة » ، هي الجميلة الحسنة . «والوضاءة » : الحسن . وكانت عائشة كذلك .

ووقع في رواية : «حظية » من الحظ وهي الوجاهة ، وارتفاع المنزلة .

«والضرائر » : جمع «ضرة » . وزوجات الرجل «ضرائر » ، لأن كل واحدة تتضرر بالأخرى : بالغيرة ، والقسم ، وغيره . والاسم منه : «الضر » بكسر الضاد ، وحكي ضمها .

«وكثرن » بالثاء المشددة ، بمعنى : أكثرن القول في عيبها ، ونقصها .

(قالت : قلت : سبحان الله ! وقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت : فبكيت - تلك الليلة - حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ) بالهمزة . أي : لا ينقطع .

[ ص: 747 ] (ولا أكتحل بنوم ) أي : لا أنام ، لأن الهموم موجبة للسهر وسيلان الدموع .

(ثم أصبحت أبكي ، ودعا رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد ، رضي الله عنهما - حين استلبث الوحي - ) أي : أبطأ ولبث ، ولم ينزل . (يستشيرهما في فراق أهله . قالت : فأما أسامة بن زيد ، فأشار على رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود . فقال : يا رسول الله ! هم أهلك ) : العفائف ، اللائقات بك . وعبر بالجمع ، إشارة إلى تعميم أمهات المؤمنين : بالوصف المذكور . أو أراد : تعظيم عائشة .

(ولا نعلم إلا خيرا . وأما علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ؛ فقال : لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ) .

قال النووي : هذا الذي قاله علي رضي الله عنه ، هو الصواب في حقه ، لأنه رآه مصلحة ونصيحة للنبي ، صلى الله عليه وآله وسلم - في اعتقاده - ، ولم يكن ذلك في نفس الأمر . لأنه رأى انزعاج النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم : بهذا الأمر ، وتقلقه ، فأراد : راحة خاطره ، وكان ذلك [ ص: 748 ] أهم من غيره (وإن تسأل الجارية : تصدقك . قالت : فدعا رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم بريرة ) . إطلاق «الجارية » عليها - وإن كانت معتقة - : إطلاق مجازي ، باعتبار ما كانت عليه .

(فقال : «أي بريرة ! هل رأيت من شيء يريبك ، من عائشة ؟ » قالت له بريرة : والذي بعثك بالحق ! إن رأيت عليها أمرا قط ، أغمصه عليها ) بفتح الهمزة وكسر الميم : أي أعيبها (أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها ، فتأتي الداجن فتأكله ) .

«الداجن » : الشاة التي تألف البيت ، ولا تخرج للمرعى . ومعنى الكلام : أنه ليس فيها شيء مما تسألون عنه أصلا ، ولا فيها شيء من غيره : إلا نومها عن العجين .

(قالت : فقام رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، على المنبر ، فاستعذر من عبد الله بن أبي ، ابن سلول ) (أبي » منون . «وابن سلول » بالألف . وسبق بيانه .

ومعنى «استعذر » : أنه قال : «من يعذرني » .

(قالت : فقال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم - وهو على المنبر - : يا معشر المسلمين ! من يعذرني من رجل ، قد بلغني أذاه في [ ص: 749 ] أهل بيتي ؟ ) : أي : من يعذرني فيمن آذاني في أهلي ، كما بينه في هذا الحديث .

ومعنى «من يعذرني » . من يقوم بعذري - إن كافأته على قبيح فعاله - ولا يلومني .

وقيل : معناه «من ينصرني ؟ » . والعذير : «الناصر » .

(فوالله ! ما علمت على أهلي إلا خيرا . ولقد ذكروا رجلا ، ما علمت عليه إلا خيرا . وما كان يدخل على أهلي ، إلا معي . فقام سعد بن معاذ الأنصاري ) رضي الله عنه ؛ (فقال : أنا أعذرك منه ، يا رسول الله ! ) .

قال عياض : هذا مشكل لم يتكلم فيه أحد ، وكانت هذه القصة ، في غزوة مريسيع ، - وهي غزوة بني المصطلق - سنة ست ، فيما ذكره ابن إسحاق ومعلوم أن سعد بن معاذ ، مات في إثر غزاة الخندق : من الرمية التي أصابته ، وذلك سنة «أربع » بإجماع أهل السير ، إلا شيئا قاله الواقدي وحده .

قال عياض : قال بعض شيوخنا : ذكر «سعد بن معاذ » في هذا ، وهم . والأشبه : أنه غيره . ولهذا لم يذكره ابن إسحاق في السير ، وإنما قال : إن المتكلم - أولا وآخرا - «أسيد بن حضير » .

قال عياض : وقد ذكر «موسى بن عقبة » : أن غزوة المريسيع ، كانت سنة أربع ، وهي سنة الخندق . وقد ذكر البخاري اختلاف ابن إسحاق وابن عقبة .

[ ص: 750 ] قال عياض : فيحتمل أن «غزاة المريسيع » ، وحديث الإفك : كانا في سنة أربع ، قبل قصة الخندق . . قال : وقد ذكر الطبري - عن الواقدي - : أن «المريسيع » كانت سنة خمس .

قال : وكانت الخندق وقريظة بعدها . وذكر القاضي «إسماعيل » الخلاف في ذلك ، وقال : الأولى : أن يكون «المريسيع » قبل «الخندق » .

قال عياض : وهذا ، لذكر «سعد » في قصة الإفك ، وكانت في المريسيع . فعلى هذا : يستقيم فيه ذكر «سعد بن معاذ » - وهو الذي في الصحيحين - وقول غير ابن إسحاق «في غير وقت المريسيع » : أصح .

قال النووي : هذا آخر كلام القاضي ، وهو صحيح .

(إن كان من الأوس : ضربنا عنقه . وإن كان من إخواننا الخزرج : أمرتنا ، ففعلنا أمرك . قالت : فقام سعد بن عبادة - وهو سيد الخزرج - وكان رجلا صالحا ، ولكن اجتهلته الحمية ) هكذا هو - هنا - لمعظم رواة صحيح مسلم : «بالجيم والهاء » . أي : استخفته ، وأغضبته ، وحملته على الجهل .

[ ص: 751 ] وفي رواية : «احتملته » بالحاء والميم . وكذا رواه مسلم بعد هذا من رواية «يونس » ، و «صالح » . وكذا رواه البخاري . ومعناه : أغضبته . فالروايتان صحيحتان .

(فقال لسعد بن معاذ : كذبت ، لعمر الله ! لا تقتله ، ولا تقدر على قتله . فقام أسيد بن حضير - وهو ابن عم سعد بن معاذ - فقال لسعد بن عبادة : كذبت ، لعمر الله ! لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ) .

قال المازري : لم يرد نفاق الكفر ، إنما أراد : أنه يظهر الود للأوس ، ثم ظهر منه في هذه القضية ضد ذلك ، فأشبه حال المنافقين . لأن حقيقته : إظهار شيء وإخفاء غيره .

وقال «ابن أبي جمرة » : وإنما صدر ذلك منهم ، لأجل قوة حال الحمية التي غطت على قلوبهم - حين سمعوا ما قال رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم - فلم يتمالك أحد منهم ، إلا قام في نصرته ، لأن الحال إذا ورد على القلب : ملكه ، فلا يرى غير ما هو لسبيله . فلما غلبهم حال الحمية : لم يراعوا الألفاظ ، فوقع منهم : السباب والتشاجر ، لشدة انزعاجهم في النصرة (فثار الحيان : الأوس والخزرج ) أي : تناهضوا للنزاع والعصبية ، كما قالت : (حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله ، صلى [ ص: 752 ] الله عليه وآله وسلم ، قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، يخفضهم حتى سكتوا ، وسكت .

قالت : وبكيت يومي ذلك ، لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم . ثم بكيت ليلتي المقبلة ، لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، وأبواي يظنان : أن البكاء فالق كبدي . فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي : استأذنت علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها . فجلست تبكي .

قالت : فبينا نحن على ذلك : دخل علينا رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فسلم ثم جلس ، قالت : ولم يجلس عندي ، منذ قيل لي ما قيل . وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء . قالت : فتشهد رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم - حين جلس - ثم قال : أما بعد ، يا عائشة ! فإنه قد بلغني عنك : كذا وكذا ) كناية : عما رميت به من الإفك . (فإن كنت بريئة : فسيبرئك الله ) أي : بوحي ينزله . (وإن كنت ألممت بذنب : فاستغفري الله ) .

معناه : إن كنت فعلت ذنبا - وليس ذلك لك بعادة - وهذا أصل اللمم .

(وتوبي إليه ؛ فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب ) أي : منه ، إلى الله عز وجل : (تاب الله عليه ) .

فيه : تصريح لقبول التوبة ، من الله تعالى ، - إذا اعترف الإنسان [ ص: 753 ] بذنبه ، وندم على فعله ، وتاب - مع العزم على عدم الإتيان به - ولا شك في قبول مثل هذه التوبة : من الرحمن الرحيم .


ومن الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط



(قالت : فلما قضى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم مقالته : قلص دمعي ) بفتح القاف واللام ، أي : ارتفع لاستعظام ما يعييني من الكلام ، (حتى ما أحس منه قطرة . فقلت لأبي : أجب عني رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، فيما قال ) .

فيه : تفويض الكلام إلى الكبار ، لأنهم أعرف بمقاصده ، واللائق بالمواطن منه . وأبواها يعرفان حالها .

(فقال : والله ! ما أدري : ما أقول لرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم . فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم . فقالت : والله ! ما أدري : ما أقول لرسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ) .

معناه : أن الأمر الذي سألها عنه : لا يقفان منه على زائد ، على ما عند رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم - قبل نزول الوحي - : من حسن الظن بها . والسرائر إلى الله تعالى .

(فقلت - وأنا جارية حديثة السن ، لا أقرأ كثيرا من القرآن - : إني والله ! لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا ، حتى استقر في أنفسكم ، وصدقتم به . فإن قلت لكم : إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - : لا [ ص: 754 ] تصدقوني بذلك . ولئن اعترفت لكم بأمر - والله يعلم أني بريئة - : لتصدقوني . وإني والله ! ما أجد لي ولكم مثلا ، إلا كما قال أبو يوسف : فصبر جميل ) أي : أمري صبر جميل ، لا جزع فيه على هذا الأمر .

وفي مرسل «حبان بن أبي جبلة » ، قال : سئل رسول الله . صلى الله عليه وآله وسلم ، عن قوله : «فصبر جميل » ؟ فقال : «صبر لا شكوى فيه » أي : إلى الخلق .

( والله المستعان على ما تصفون ) أي : على ما تذكرون عني ، مما يعلم الله براءتي منه .

(قالت : ثم تحولت ، واضطجعت على فراشي . قالت : وأنا والله ! حينئذ أعلم أني بريئة ، وأن الله عز وجل مبرئي ببراءتي . ولكن والله ! ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ؛ ولشأني كان أحقر في نفسي : من أن يتكلم الله عز وجل في بأمر يتلى . ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم - في النوم - رؤيا يبرئني الله بها . قالت : فوالله ! ما رام رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : [ ص: 755 ] مجلسه ) أي : ما فارقه (ولا خرج من أهل البيت أحد ، حتى أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخذه ما كان يأخذه : من البرحاء ) : بضم الباء ، وفتح الراء ، وبالحاء ، والمد : هي الشدة (عند الوحي ، حتى إنه ليتحدر منه ) أي : لينصب (مثل الجمان ) : بضم الجيم ، وتخفيف الميم ، وهو «الدر » . شبهت قطرات عرقه ، صلى الله عليه وآله وسلم : «بحبات اللؤلؤ » في الصفاء ، والحسن (من العرق في اليوم الشاتي ) أي : البارد (من ثقل القول الذي أنزل عليه . قالت : فلما سري ) أي : كشف وأزيل (عن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يضحك - فكان أول كلمة تكلم بها ؛ أن قال : «أبشري ، يا عائشة ! أما الله فقد برأك » . فقالت لي أمي : قومي إليه . فقلت : والله ! لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله ، هو الذي أنزل براءتي ) .

قال النووي : معناه ، قالت لها أمها : قومي ، فاحمديه وقبلي رأسه ، واشكريه لنعمة الله تعالى ، التي بشرك . فقالت عائشة ما قالت إدلالا عليه ، وعتبا - لكونهم شكوا في حالها ، مع علمهم بحسن طرائقها ، وجميل أحوالها ، وارتفاعها عن هذا الباطل الذي افتراه قوم ظالمون : مما لا حجة له ولا شبهة فيه .

قالت : وإنما أحمد ربي سبحانه وتعالى ، الذي أنزل براءتي ، وأنعم علي بما لم أكن أتوقعه ، كما قالت : ولشأني كان أحقر - في نفسي - من أن يتكلم الله في بأمر يتلى .

[ ص: 756 ] (قالت : فأنزل الله عز وجل : إن الذين جاءوا بالإفك ) هذا شروع في الآيات المتعلقة بالإفك ، وهي ثمانية عشر ، تنتهي بقوله : « أولئك مبرءون مما يقولون .

«والإفك » : أسوأ الكذب ، وأفحشه ، وأقبحه . وهو مأخوذ من «أفك الشيء » إذا قلبه عن وجهه . «فالإفك » : هو الحديث المقلوب ، لكونه مصروفا عن الحق . وقيل : هو البهتان .

قال في (فتح البيان ): أجمع المسلمون على أن المراد بما في الآية : ما وقع من الآفات ، على عائشة «أم المؤمنين » . وإنما وصفه الله بأنه : «إفك ، لأن المعروف من حالها : خلاف ذلك .

(عصبة منكم ) . «العصبة » : الجماعة من العشرة إلى الأربعين . والمراد بهم - هنا - : «عبد الله بن أبي رأس المنافقين ، وزيد بن رفاعة ، وحسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش » ، ومن ساعدهم .

وقيل : «العصبة » : من الثلاثة إلى العشرة . وقيل : من عشرة إلى خمسة عشر .

[ ص: 757 ] وأصلها - في اللغة - : الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض .

(لا تحسبوه شرا لكم ) خوطب به النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وعائشة ، وأبو بكر ، وصفوان بن المعطل .

وفيه تسلية لهم .

(بل هو خير لكم ) . «الخير » : ما زاد نفعه على ضره . وأما الخير الذي لا شر فيه : فهو الجنة ، والشر الذي لا خير فيه : فهو النار .

ووجه كونه خيرا لهم : أنه يحصل لهم به الثواب العظيم ، مع بيان براءة عائشة الصديقة بنت الصديق ، وصيرورة قصتها هذه شرعا عاما ، وهذا غاية الشرف والفضل .

وفيه : تهويل الوعيد لمن تكلم فيهم ، والثناء على من ظن بهم خيرا .

وتمام الآية : «لكل امرئ منهم » ، أي : من العصبة الكاذبة : «ما اكتسب من الإثم » بسبب تكلمه بالإفك .

«والذي تولى » . أي : تحمل «كبره » أي : معظمه «منهم » : فبدأ بالخوض فيه ، وأشاعه : «له عذاب عظيم » في الدنيا ، أو في الآخرة ، أو فيهما .

(عشر آيات ؛ فأنزل الله عز وجل : هذه الآيات ببراءتي .

قالت : فقال أبو بكر رضي الله عنه - وكان ينفق على مسطح لقرابته منه ، وفقره - : والله ! لا أنفق عليه شيئا أبدا - بعد الذي قال لعائشة [ ص: 758 ] فأنزل الله عز وجل : «ولا يأتل ) أي : لا يحلف (أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا ) أي : أن لا يؤتوا (أولي القربى » إلى قوله : «ألا تحبون أن يغفر الله لكم » ؟ ) أي : بسبب عفوكم وصفحكم عن الفاعلين : للإساءة عليكم . فإن الجزاء من جنس العمل . فكما تغفر يغفر لك ، وكما تصفح يصفح عنك .

قال حبان بن موسى : قال عبد الله بن المبارك : هذه أرجى آية في كتاب الله .

(فقال أبو بكر : والله ! إني لأحب أن يغفر الله لي . فرجع إلى مسطح : النفقة التي كان ينفق عليه . وقال : لا أنزعها منه أبدا .

قالت عائشة : وكان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ؛ سأل زينب بنت جحش - «زوج النبي » صلى الله عليه وآله وسلم - عن أمري : ما علمت ؟ أو ما رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله ! أحمي سمعي وبصري ) أي : أصونهما من أن أقول : «سمعت » ، ولم أسمع . «وأبصرت » ، ولم أبصر .

(والله ! ما علمت إلا خيرا . قالت عائشة : وهي التي كانت تساميني - من أزواج النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم - ) أي : تفاخرني ، وتضاهيني : بجمالها ومكانها عند النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم . وهي مفاعلة من «السمو » ، وهو الارتفاع .

[ ص: 759 ] (فعصمها الله بالورع ) أي : حفظها ومنعها بالمحافظة على دينها - عن أن تقول بقول أهل الإفك .

(وطفقت أختها «حمنة بنت جحش » : تحارب لها ) أي : جعلت تتعصب لها ، فتحكي ما يقوله أهل الإفك .

«وطفق » : بكسر الفاء على المشهور ، وحكي فتحها .

(فهلكت فيمن هلك .

قال الزهري : فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط ) .

قال الصلاح الصفدي : رأيت بخط « ابن خلكان » ؛ أن مسلما ناظر نصرانيا ، فقال له النصراني في خلال كلامه - محتقنا في خطابه بقبيح آثامه - : يا مسلم ! كيف كان وجه زوجة نبيكم عائشة ، في تخلفها عن الركب عند نبيكم - معتذرة بضياع عقدها - ؟ فقال له المسلم : يا نصراني ! كان وجهها ، كوجه «بنت عمران » لما أتت بعيسى تحمله ، من غير زوج . فمهما اعتقدت في دينك «من براءة مريم » ، اعتقدنا مثله في ديننا من «براءة زوج نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، فانقطع النصراني ، ولم يحر جوابا . انتهى .

قلت : ولهذه المناظرة ألفاظ ، بعضها أبلغ من بعض .

(هلك الرافضة )

وقد (هلك الرافضة ) - في هذا الموضع - بسبهم عائشة ، وإفكهم [ ص: 760 ] إياها ، كما وقع من أهل الإفك السالفة . وهذا إنكار منهم للقرآن الناطق بالحق ، المبرئ لها مما رموها به ، وجحود لصريح نصوص الكتاب . أقماهم الله تعالى . فما أصبرهم على النار !

وفي الحديث : مباحث ، وفوائد كثيرة : ذكرها الحافظ في(الفتح ) لا نطول بذكرها . ولنقتصر هنا على ما ذكره النووي : من فوائد هذا الحديث ؛ قال رحمه الله تعالى : اعلم أن في «حديث الإفك » فوائد كثيرة ؛ إحداها : جواز رواية الحديث الواحد ، عن جماعة - عن كل واحد قطعة مبهمة منه - وهذا وإن كان فعل الزهري وحده ، فقد أجمع المسلمون على قبوله منه ، والاحتجاج به .

الثانية : صحة القرعة بين النساء ، وفي العتق ، وغيره مما تقدم في أول الحديث «مع خلاف العلماء » .

الثالثة : وجوب الاقتراع بين النساء ، - عند إرادة السفر ببعضهن - .

الرابعة : أنه لا يجب قضاء مدة السفر : للنسوة المقيمات . وهذا مجمع عليه ، - إذا كان السفر طويلا - وحكم القصير حكم الطويل ، على المذهب الصحيح . وخالف فيه بعض الشافعية .

الخامسة : جواز سفر الرجل ، بزوجته .

[ ص: 761 ] السادسة : جواز غزوهن .

السابعة : جواز ركوب النساء ، في «الهوادج » .

الثامنة : جواز خدمة الرجال لهن ، في تلك الأسفار .

التاسعة : أن ارتحال العسكر يتوقف على أمر الأمير .

العاشرة : جواز خروج المرأة لحاجة الإنسان ، بغير إذن الزوج . وهذا من الأمور المستثناة .

الحادية عشر : جواز لبس النساء ، القلائد - في السفر - كالحضر .

الثانية عشر : أن من يركب المرأة - على البعير وغيره - لا يكلمها ، إذا لم يكن محرما : إلا لحاجة ، لأنهم حملوا الهودج ، ولم يكلموا من يظنونها فيه .

الثالثة عشر : فضيلة الاقتصاد في الأكل : للنساء وغيرهن ، وأن لا يكثر منه بحيث يهبله اللحم ، لأن هذا كان حالهن - في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم - وما كان في زمانه ، صلى الله عليه وآله وسلم : فهو الكامل الفاضل المختار .

الرابعة عشر : جواز تأخر بعض الجيش - ساعة ونحوها ، لحاجة تعرض له - عن الجيش ، إذا لم يكن ضرورة إلى الاجتماع .

[ ص: 762 ] الخامسة عشر : إعانة الملهوف ، وعون المنقطع ، وإنقاذ الضائع ، وإكرام ذوي الأقدار - كما فعل صفوان ، رضي الله عنه - في هذا كله .

السادسة عشر : حسن الأدب مع الأجنبيات لا سيما في الخلوة بهن ، عند الضرورة - في برية أو غيرها ، كما فعل صفوان : من إبراكه الجمل من(غير كلام ، ولا سؤال )، وأنه ينبغي أن يمشي قدامها ، لا بجنبها ولا وراءها .

السابعة عشر : استحباب الإيثار - بالركوب ونحوه - كما فعل صفوان .

الثامنة عشر : استحباب الاسترجاع عند المصائب :(سواء كانت في الدين أو الدنيا ، وسواء كانت في نفسه أو من يعز عليه ).

التاسعة عشر : تغطية المرأة وجهها عن نظر الأجنبي ،(سواء كان صالحا ، أو غيره ).

العشرون : جواز الحلف ، من غير استحلاف .

الحادية والعشرون : أنه يستحب أن يستر عن الإنسان «ما يقال فيه » ، إذا لم يكن في ذكره فائدة ، كما كتموا عن عائشة «رضي الله عنها » : هذا [ ص: 763 ] الأمر ، شهرا ، ولم تسمع بعد ذلك : إلا بعارض عرض ، وهو قول أم مسطح : «تعس مسطح » .

الثانية والعشرون : استحباب ملاطفة الرجل زوجته ، وحسن المعاشرة .

الثالثة والعشرون : أنه إذا عرض عارض - بأن سمع عنها شيئا ، أو نحو ذلك - يقلل من اللطف ونحوه ، لتفطن هي أن ذلك لعارض ، فتسأل عن سببه ، فتزيله .

الرابعة والعشرون : استحباب السؤال عن المريض .

الخامسة والعشرون : أنه يستحب للمرأة - إذا أرادت الخروج لحاجة - أن تكون معها رفيقة ، تستأنس بها ولا يتعرض لها أحد .

السادسة والعشرون : كراهة الإنسان صاحبه أو قريبه - إذا آذى أهل الفضل ، أو فعل غير ذلك من القبائح - كما فعلت «أم مسطح » في دعائها عليه .

السابعة والعشرون : فضيلة أهل بدر ، والذب عنهم - كما فعلت عائشة ، في ذبها عن مسطح - .

الثامنة والعشرون : أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها ، إلا بإذن زوجها .

التاسعة والعشرون : جواز التعجب بلفظ «التسبيح » ، وقد تكرر في هذا الحديث وغيره .

[ ص: 764 ] الثلاثون : استحباب مشاورة الرجل(بطانته ، وأهله ، وأصدقاءه )فيما ينوبه من الأمور .

الحادية والثلاثون : جواز البحث والسؤال(عن الأمور المسموعة ، عمن له به تعلق ). أما غيره فهو منهي عنه ، وهو تجسس وفضول .

الثانية والثلاثون : خطبة الإمام الناس (عند نزول أمر مهم ).

الثالثة والثلاثون : اشتكاء ولي الأمر إلى المسلمين : من تعرض له بأذى في نفسه ، أو أهله ، أو غيره . واعتذاره فيما يريد أن يؤذيه به .

الرابعة والثلاثون : فضائل ظاهرة : لصفوان بن المعطل ، «رضي الله عنه » : بشهادة النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم له ، بما شهد . وبفعله الجميل(في إركاب عائشة ، وحسن أدبه في جملة القضية ).

الخامسة والثلاثون : فضيلة لسعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير «رضي الله عنهما » .

السادسة والثلاثون : المبادرة إلى قطع الفتن والخصومات والمنازعات ، وتسكين الغضب .

السابعة والثلاثون : قبول التوبة والحث عليها .

الثامنة والثلاثون : تفويض الكلام إلى الكبار - دون الصغار - ، لأنهم أعرف .

التاسعة والثلاثون : جواز الاستشهاد بآيات القرآن العزيز ، ولا خلاف أنه جائز .

[ ص: 765 ] الأربعون : استحباب المبادرة : بتبشير من تجددت له نعمة ظاهرة ، أو اندفعت عنه بلية ظاهرة .

الحادية والأربعون : براءة « عائشة » من الإفك ، وهي براءة قطعية بنص القرآن العزيز . فلو تشكك فيها إنسان - والعياذ بالله - صار كافرا مرتدا ، بإجماع المسلمين .

قال ابن عباس وغيره : «لم تزن امرأة نبي من الأنبياء ، عليهم السلام » وهذا إكرام من الله تعالى لهم .

الثانية والأربعون : تجديد شكر الله تعالى ، عند تجدد النعم .

الثالثة والأربعون : فضائل لأبي بكر رضي الله عنه ، في قوله تعالى : « ولا يأتل أولو الفضل منكم ، الآية .

الرابعة والأربعون : استحباب صلة الأرحام - وإن كانوا مسيئين - .

الخامسة والأربعون : العفو والصفح عن المسيء .

السادسة والأربعون : استحباب الصدقة والإنفاق ، في سبيل الخيرات .

السابعة والأربعون : أنه يستحب لمن حلف على يمين - ورأى غيرها خيرا منها - : أن يأتي الذي هو خير ، ويكفر عن يمينه .

الثامنة والأربعون : فضيلة زينب أم المؤمنين ، «رضي الله عنها » .

[ ص: 766 ] التاسعة والأربعون : التثبيت في الشهادة .

الخمسون : إكرام المحبوب : بمراعاة أصحابه ، ومن خدمه ، أو أطاعه ، كما فعلت عائشة :(بمراعاة حسان ، وإكرامه ): إكراما للنبي ، صلى الله عليه وآله وسلم .

الحادية والخمسون : أن « الخطبة » تبتدأ : بحمد الله تعالى ، والثناء عليه بما هو أهله .

الثانية والخمسون : أنه يستحب في الخطب أن يقول - بعد الحمد والثناء ، والصلاة على النبي ، صلى الله عليه وآله ، والشهادتين - : «أما بعد » . وقد كثرت فيه الأحاديث الصحيحة .

الثالثة والخمسون : غضب المسلمين عند انتهاك حرمة أميرهم ، واهتمامهم بدفع ذلك .

الرابعة والخمسون : جواز سب المتعصب لمبطل ، كما سب أسيد بن حضير « سعد بن عبادة » لتعصبه للمنافق . وقال : إنك منافق ، تجادل عن المنافقين . وأراد : إنك تفعل فعل المنافقين ، ولم يرد النفاق الحقيقي .

هذا آخر كلام النووي .

التالي السابق


الخدمات العلمية