السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
4992 سورة الزمر : باب في قوله تعالى : « وما قدروا الله حق قدره

وهو في النووي ، في : (باب صفة القيامة ، والجنة والنار ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ، ص 129 - 130 ج17 ، المطبعة المصرية

(عن عبد الله بن مسعود ؛ قال : جاء حبر إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم ؛ فقال : يا محمد ! -أو يا أبا القاسم !- إن الله تعالى ، يمسك السماوات -يوم القيامة- على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والجبال والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع . ثم يهزهن ، فيقول : أنا الملك ، أنا الملك .

فضحك رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : تعجبا مما قال الحبر -تصديقا له- ، ثم قرأ :
وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون
» ) .


[ ص: 780 ] (الشرح)

(عن عبد الله بن مسعود ) رضي الله عنه : (قال : جاء حبر ) بفتح الحاء وكسرها ، والفتح أفصح . «وهو العالم ) (إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : يا محمد ! - أو يا أبا القاسم ! - : إن الله يمسك السموات - يوم القيامة - على إصبع ، والأرضين على إصبع ، والجبال والشجر على إصبع ، والماء والثرى على إصبع ، وسائر الخلق على إصبع ، ثم يهزهن ) .

قال النووي : هذا من أحاديث الصفات ، وفيه مذهبان ؛ التأويل ، والإمساك عنه - مع الإيمان بها ، مع اعتقاد أن الظاهر منها غير مراد - ؛ فعلى قول المتأولين : يتأولون الأصابع - هنا - على الاقتدار . أي : خلقها مع عظمها ، بلا تعب ولا ملل . والناس يذكرون الأصابع في مثل هذا : للمبالغة والاحتقار . فيقول أحدهم : «بإصبعي أقتل زيدا » . أي لا كلفة علي في قتله .

وقيل : يحتمل أن المراد : أصابع بعض مخلوقاته . «وهذا غير ممتنع » .

والمقصود : أن «يد الجارحة » مستحيلة . انتهى .

وأقول : مذهب الإمساك أوفق بظاهر الحديث ، وعليه درج السلف الصالح (من الصحابة ، والتابعين ) ومن بعدهم : من الأئمة المجتهدين .

[ ص: 781 ] وأما مذهب التأويل : فمن محدثات المتكلمين ، الخائضين في أمور لم يأذن الله لهم به فيها .

وفيه : نوع من تكذيب الكتاب ، والسنة الصريحة التي ليلها كنهارها . وإياك أن تغتر بما نحته الذين ليس لهم حلاوة الإيمان ، ولم يشرح صدرهم للإسلام : بالإخلاص .

والذي يجب على كل من يؤمن بالله ، ورسله ، وكتبه ، واليوم الآخر : أن يؤمن بأحاديث الصفات ، وبآياتها - على حد سواء - بلا كيف ، ولا عطلة ، ولا شبهة ، ولا مثال . وهذا القدر : يكفي في تحقيق التنزيه له سبحانه .

(فيقول : أنا الملك ، أنا الملك . فضحك رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم : تعجبا مما قال الحبر - تصديقا له - ) .

ظاهر الحديث ؛ أن النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم : صدق الحبر في قوله : إن الله يقبض ما ذكر بالأصابع . (ثم قرأ ) الآية التي فيها الإشارة : إلى نحو ما يقول ، وهو قوله سبحانه : ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) .

قال عياض : قال بعض المتكلمين : ليس ضحكه صلى الله عليه وآله وسلم وتعجبه ، وتلاوته للآية : (تصديقا لحبر ) بل هو رد لقوله ، وإنكار وتعجب : من سوء اعتقاده ؛ فإن مذهب اليهود : التجسيم . ففهم منه [ ص: 782 ] ذلك . وقوله : «تصديقا له » إنما هو من كلام الراوي ، على ما فهم . والأول أظهر . انتهى .

وأقول : هذا الذي قاله بعض المتكلمين : «يأباه النظم السني ، ويخالفه واضح هذا الكلام ، الذي لا سترة عليه . وإنما يفهم منه التجسيم : من لا يفهم كلام الله ، ولا كلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .

وإلا ، فما لنا وللتجسيم ، الذي هو من أمارات الحدوث والإمكان ، «والله سبحانه وتعالى : منزه عن الزمان ، ومقدس عن المكان ، ومطهر من الجثمان » ؟

وليس في إجراء الصفات الثابتة في القرآن والحديث : ما يستلزم التجسيم والتشبيه والتمثيل ، مع قوله تعالى : ليس كمثله شيء ، ولم يكن له كفوا أحد .

نعم ؛ في تأويل الصفات ، وتوجيهها على المحامل البعيدة ، والمنازل الشاسعة ، والاحتمالات الباردة : تعطيل لأوصافه سبحانه ، وتكذيب لصفاته ، وجحد لأسمائه وسماته ، «أعاذنا الله منها » .

قال في (فتح البيان ) معنى الآية : ما عرفوه حق معرفته . «والقبضة » في اللغة : ما قبضت عليه بجميع كفك .

[ ص: 783 ] والمراد بالأرض : الأرضون السبع .

قال الخازن : «اليمين » ليست - عندنا - بمعنى الجارحة . وإنما هي صفة جاء بها التوقيف ، فنحن نطلقها على ما جاءت ، ولا نكيفها . وننتهي إلى حيث انتهى بنا الكتاب ، والأخبار المأثورة الصحيحة . وهذا مذهب أهل السنة والجماعة .

وقال سفيان بن عيينة : كل ما وصف الله به نفسه - في كتابه - فتفسيره : تلاوته ، والسكوت عنه . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية