السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
680 سورة القيامة : باب في قوله تعالى :" لا تحرك به لسانك لتعجل به

وهو في الجزء الثاني ، من النووي ، في (باب الاستماع للقراءة ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ، ص 166 ج4 ، المطبعة المصرية

(عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس -في قوله : لا تحرك به لسانك لتعجل به - ؛ قال : كان النبي ، صلى الله عليه وسلم : يعالج من التنزيل شدة ؛ كان يحرك شفتيه . فقال لي ابن عباس : أنا أحركهما ، كما كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يحركهما .

فقال سعيد : أنا أحركهما ، كما كان ابن عباس يحركهما .

فحرك شفتيه ؛ فأنزل الله تعالى : لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه .

[ ص: 816 ] قال : (جمعه ) في صدرك ، ثم تقرؤه . فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ؛ قال : فاستمع ، وأنصت .

ثم إن علينا : أن تقرأه . قال : فكان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : إذا أتاه جبريل : استمع . فإذا انطلق جبريل : قرأه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كما أقرأه ) .



(الشرح)

(عن ابن عباس ) ، رضي الله عنهما - (في قوله عز وجل : لا تحرك به لسانك لتعجل به - ؛ قال : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يعالج من التنزيل شدة ) .

سبب الشدة : هيبة الملك ، وما جاء به ، وثقل الوحي . قال الله تعالى : إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا .

«والمعالجة » : المحاولة للشيء ، والمشقة في تحصيله . وكان ذلك يعرفه من رآه ، لما يظهر على وجهه وبدنه : من أثره ، كما قالت عائشة : «ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد - فيفصم عنه ، وإن جبينه ليتفصد عرقا » .

[ ص: 817 ] (كان يحرك شفتيه ) معناه : هذا شأنه ودأبه . قال سعيد : (فقال لي ابن عباس : أنا أحركهما لك ، كما كان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، يحركهما : فحرك شفتيه .

فقال سعيد : أنا أحركهما ، كما كان ابن عباس يحركهما ، فحرك شفتيه ، فأنزل الله تعالى : لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه . قال : جمعه في صدرك ، ثم تقرؤه . فإذا قرأناه ) أي : قرأه جبريل عليه السلام . وفيه : إضافة ما يكون عن أمر الله تعالى إليه .

(فاتبع قرآنه ، قال : فاستمع له وأنصت ) .

«الاستماع » : الإصغاء له . «والإنصات » : السكوت . فقد يستمع ولا ينصت . فلهذا جمع بينهما كما قال تعالى : فاستمعوا له وأنصتوا .

[ ص: 818 ] قال الأزهري : يقال : «أنصت ، ونصت ، وانتصت » ثلاث لغات : أفصحهن : «أنصت » . وبها جاء القرآن العزيز .

(ثم إن علينا أن تقرأه . قال : فكان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إذا أتاه جبريل ) عليه السلام : (استمع . فإذا انطلق جبريل : قرأه النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، كما أقرأه ) .

قال في (فتح البيان ) - في معنى الآية - : أي : لا تحرك بالقرآن لسانك - عند إلقاء الوحي - لتأخذه على عجل ، مخافة أن يتفلت منك .

ومثل هذا قوله : ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ( إن علينا جمعه ) في صدرك ، حتى لا يذهب عليك منه شيء (وقرآنه ) أي : إثبات قراءته في لسانك ، وهو تعليل للنهي .

(فإذا قرأناه ) أي : أتممنا قراءته عليك - بلسان جبريل عليه السلام - وبيناه : (فاتبع قرآنه ) أي : فاستمع قراءته ، وكررها حتى يرسخ في ذهنك .

(ثم إن علينا بيانه ) أي : تفسير ما فيه - من الحلال والحرام - ، وبيان ما أشكل من معانيه .

[ ص: 819 ] قيل : المعنى : إن علينا أن نبينه بلسانك ، وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب . انتهى .

وهذا يرشدك : إلى أن السنة مبينة للكتاب ، وأنها تلوه في البيان : وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .

فمن تمسك بالقرآن وحده ، ولا يعتصم بالسنة : فهو مخالف لما جاء به الكتاب ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية