السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
5258 سورة التكاثر : باب في قوله تعالى : ألهاكم التكاثر

وأورده النووي ، في : (كتاب الزهد ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ، ص 94 ج 18 ، المطبعة المصرية

(عن مطرف ، عن أبيه ؛ قال : أتيت النبي ، صلى الله عليه وسلم -وهو يقرأ : ألهاكم التكاثر- ؛ قال : يقول ابن آدم : مالي . مالي . -قال- : وهل لك ، يا ابن آدم ! من مالك : إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ؟ » ) .


[ ص: 833 ] (الشرح)

(عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه ) ، وهو عند مسلم بلفظ : «عن مطرف عن أبيه ) (قال : أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يقرأ : ألهاكم التكاثر - قال : «يقول ابن آدم : مالي . مالي . - قال - : وهل لك ، يا بن آدم ! من مالك : إلا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت ؟ » ) .

وفي حديث أبي هريرة - عند مسلم - أن رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ؛ قال : «يقول العبد : مالي . مالي . إنما له من ماله : ما أكل وأفنى ، أو لبس فأبلى ، أو أعطى فاقتنى . ما سوى ذلك : فهو ذاهب ، وتاركه للناس » .

قال في (فتح البيان )- في معنى الآية الشريفة - : أي : شغلكم التمادي في التكاثر : بالأموال ، والأولاد ، والتباهي ، والتفاخر بكثرتها : عن طاعة الله تعالى ، والتغالب فيها . يقال «ألهاه عن كذا ، وأقهاه » : إذا شغله .

وقال الحسن : معناه أنساكم حتى أدرككم الموت - وأنتم على تلك الحال - .

[ ص: 834 ] وقال قتادة : «التكاثر » : التفاخر بالقبائل ، والعشائر .

وقال الضحاك : ألهاكم التشاغل بالمعاش . وقيل : المعنى : متم ، ودفنتم في المقابر .

قال مقاتل ، وقتادة ، وغيرهما : نزلت في اليهود ، حين قالوا : نحن أكثر من بني فلان ، وبنو فلان أكثر من بني فلان . ألهاهم ذلك حتى ماتوا .

وقال الكلبي : نزلت في حيين من قريش (بني عبد مناف ، وبني سهم ) تعادوا وتكاثروا : بالسيادة ، والأشراف - في الإسلام - ؛ فقال كل حي منهم : نحن أكثر سيدا ، وأعز عزيزا ، وأعظم نفرا ، وأكثر قائدا . فكثر بنو مناف بني سهم . ثم تكاثروا بالأموات : فكثرتهم بهم . فنزلت : «ألهاكم التكاثر » فلم ترضوا ، حتى زرتم المقابر (مفتخرين بالأموات ) .

وعن أبي بردة ؛ قال : نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار (بني حارثة ، وبني الحارث ) . تفاخروا وتكاثروا .

وبالجملة : ظاهر الآية : الشمول والعموم ، ويدخل فيه : من نزلت فيهم ، دخولا أوليا .

وفيه : دليل على أن الاشتغال بالدنيا ، والمكاثرة بها ، والمفاخرة فيها : «من الخصال المذمومة » .

والشرع دل : على أن التكاثر والتفاخر «في السعادات الحقيقة » : غير مذموم ؛ فيجوز للإنسان : أن يفتخر بطاعاته ، وحسن أخلاقه - إذا كان يظن : أن غيره ، يقتدي به - .

[ ص: 835 ] وقال سبحانه وتعالى : « ألهاكم التكاثر ولم يقل : عن كذا ، بل أطلقه ، لأن الإطلاق أبلغ في الذم ، لأنه يذهب فيه الوهم كل مذهب ؛ فيدخل فيه : جميع ما يحتمله المقام . ولأن حذف المتعلق : مشعر بالتعميم ، كما تقرر في علم البيان .

التالي السابق


الخدمات العلمية