السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
[ ص: 363 ] (باب القراءة في العشاء الآخرة )

وقال النووي : في العشاء.

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 181- 182 ج4: المطبعة المصرية

[حدثني محمد بن عباد حدثنا سفيان ، عن عمرو، ، عن جابر قال: كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم. ثم يأتي فيؤم قومه. فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء. ثم أتى قومه فأمهم. فافتتح بسورة البقرة. فانحرف رجل فسلم. ثم صلى وحده وانصرف. فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لا. والله! ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنا أصحاب نواضح. نعمل بالنهار. وإن معاذا صلى معك العشاء. ثم أتى فافتتح بسورة البقرة. فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ. فقال: "يا معاذ! أفتان أنت؟ اقرأ بكذا. واقرأ بكذا".

قال سفيان: فقلت لعمرو: إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال: اقرأ "والشمس وضحاها والضحى والليل إذا يغشى، وسبح اسم ربك الأعلى" فقال عمرو: نحو هذا.]



[ ص: 364 ] (الشرح)

(عن جابر ) ؛ رضي الله عنه: (قال: كان معاذ ) رضي الله عنه (يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي فيؤم قومه ) .

"فيه" جواز صلاة المفترض، خلف المتنفل؛ لأن معاذا كان يصلي الفريضة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسقط فرضه، ثم يصلي مرة ثانية بقومه، هي له تطوع، ولهم فريضة. وقد جاء هكذا مصرحا في غير مسلم. وهذا جائز عند جماعة من فحول أهل العلم. وتأوله أبو حنيفة، ومالك، رحمهما الله. وقالا: كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم تنفلا. ومنهم من قال: إنه لم يعلم به النبي صلى الله عليه وسلم. ومنهم من قال: كان هذا في أول الأمر. ثم نسخ.

قال النووي: وكل هذه التأويلات دعاوى لا أصل لها. فلا يترك ظاهر الحديث بها. انتهى.

وأقول: تصريحه هو وغيره، أن التي صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم هي الفريضة، والتي صلاها بقومه نافلة، له دليل واضح، وحجة نيرة في هذا الباب، يدفع كل برهان داحض، ويقطع عرق كل تعليل عليل، ويدفع كل خيال مختل.

[ ص: 365 ] وما أجيب به عن ذلك، من أنه قول صحابي لا حجة فيه، فتعسف شديد.

فإن الصحابي أخبرنا بذلك. وهو أجل قدرا من أن يروي بمجرد الظن والتخمين.

وقد وقع هذا في عصره صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل. فلو كان غير جائز لما وقع التقرير عليه. وأيضا: الأصل صحة ذلك. والدليل على من منع منه.

وأما الاستدلال بحديث: "لا تختلفوا على أئمتكم"، فوضع الدليل في غير موضعه.

فإن النهي على فرض شموله لغير ما هو مذكور بعده من التفصيل؛ لا يتناول إلا ما كان له أثر ظاهر في المخالفة من الأركان، والأذكار.

وفعل القلب. لا يدخل في ذلك، لعدم ظهور أثر المخالفة فيه. ولو قدرنا دخوله، لكان مخصوصا بدليل الجواز.

(فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء. ثم أتى قومه فأمهم. فافتتح بسورة البقرة ) .

يقال: سورة. بلا همز، وبالهمز. لغتان: ذكرهما ابن قتيبة وغيره. وترك الهمزة هنا، هو المشهور الذي جاء به القرآن العزيز. ويقال: قرأت السورة، وبالسورة. وافتتحتها، وافتتحت بها. (فانحرف رجل، فسلم. ثم صلى وحده وانصرف ) .

[ ص: 366 ] واستدل بعض الشافعية بهذا الحديث، على أنه يجوز للمأموم أن يقطع القدوة، ويتم صلاته منفردة. وإن لم يخرج منها.

"وفي" هذه المسألة ثلاثة أوجه.. أصحها: أنه يجوز لعذر، ولغير عذر.

والعذر هو ما يسقط به عنه الجماعة ابتداء. ويعذر في التخلف عنها بسببه.

وتطويل القراءة عذر على الأصح لقصة معاذ. وهذا الاستدلال ضعيف؛ لأنه ليس في الحديث: أنه فارقه، وبنى على صلاته. بل في رواية أخرى: "أنه سلم وقطع الصلاة من أصلها، ثم استأنفها. وهذا لا دليل فيه للمسألة. وإنما يدل على جواز قطع الصلاة، وإبطالها بعذر. والله أعلم.

(فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لا والله ! ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ! إنا أصحاب نواضح، نعمل بالنهار ) .

هي الإبل التي يستقى عليها. جمع "ناضح". وأراد: إنا أصحاب عمل، وتعب. فلا نستطيع تطويل الصلاة.

[ ص: 367 ] (وإن معاذا صلى معك العشاء؛ ثم أتى فافتتح بسورة البقرة ) . "فيه": علم النبي صلى الله عليه وسلم بصلاة معاذ الفريضة بعده، والنافلة بقومه.

(فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ، فقال: "يا معاذ ! أفتان أنت؟" )

أي: منفر عن الدين، وصاد عنه.

"وفيه": الإنكار على من ارتكب ما ينهى عنه، وإن كان مكروها غير محرم.

"وفيه": جواز الاكتفاء في التعزير بالكلام. "اقرأ بكذا. واقرأ بكذا".

"فيه": الأمر بتخفيف الصلاة، والتعزير على إطالتها، إذا لم يرض المأمومون.

وفي رواية أخرى: "يا معاذ ! إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها.

وسبح اسم ربك الأعلى. واقرأ باسم ربك. والليل إذا يغشى".


وفي أخرى: (كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة ) .

وفي أخرى: (ثم يأتي مسجد قومه فيصلي بهم ) .

وفي هذه الأحاديث دلالة على ائتمام المفترض بالمتنفل.

ومما يؤيد ذلك ما وقع منه صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف.

[ ص: 368 ] فإنه صلى لكل طائفة ركعتين. فهو في إحدى الصلاتين متنفل وهم مفترضون.

وأما صلاة المتنفل بالمتنفل، فمما لا ينبغي أن يقع في صحتها خلاف، لما ثبت من ائتمام غير النبي صلى الله عليه وسلم به في كثير من النوافل. وهي أحاديث صحيحة ثابتة في الصحيحين وغيرهما.

(قال سفيان: فقلت لعمرو: إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال: "اقرأ والشمس وضحاها. والضحى. والليل إذا يغشى. وسبح اسم ربك الأعلى" . فقال عمرو: نحو هذا ) .

وظاهر هذا أنه موقوف على جابر. وقد تقدم عنه ذلك مرفوعا.

فالحجة به لا بهذا.

التالي السابق


الخدمات العلمية