السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
830 [ ص: 372 ] (باب التطبيق في الركوع )

وقال النووي : (باب الندب إلى وضع الأيدي على الركب في الركوع؛ ونسخ التطبيق ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 15-17 ج 5 المطبعة المصرية

[عن الأعمش، ، عن إبراهيم، ، عن الأسود وعلقمة؛ قالا: أتينا عبد الله بن مسعود في داره. فقال: أصلى هؤلاء خلفكم؟ فقلنا: لا. قال: فقوموا فصلوا. فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة. قال وذهبنا لنقوم خلفه. فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله. قال: فلما ركع وضعنا أيدينا على ركبنا. قال: فضرب أيدينا وطبق بين كفيه. ثم أدخلهما بين فخذيه. قال: فلما صلى قال: إنه ستكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها. ويخنقونها إلى شرق الموتى. فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك، فصلوا الصلاة لميقاتها. واجعلوا صلاتكم معهم سبحة. وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعا. وإذا كنتم أكثر من ذلك فليؤمكم أحدكم. وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه. وليجنأ. وليطبق بين كفيه. فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراهم ].


[ ص: 373 ] (الشرح)

(عن الأسود، وعلقمة؛ قالا: أتينا عبد الله بن مسعود ) رضي الله عنه (في داره، فقال: أصلى هؤلاء خلفكم؟ ) :

يعني: الأمير والتابعين له.

"وفيه" إشارة إلى إنكار تأخيرهم الصلاة. (فقلنا: لا. قال: فقوموا فصلوا ) .

"فيه" جواز إقامة الجماعة في البيوت. لكن لا يسقط بها فرض الكفاية، إذا قيل: إنها فرض كفاية. بل لا بد من إظهارها.

وإنما اقتصر ابن مسعود على فعلها في البيت، لأن الفرض كان يسقط بفعل الأمير وعامة الناس، وإن أخروها إلى أواخر الوقت.

(فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة ) هذا مذهبه رضي الله عنه، وبعض السلف من أصحابه، وغيرهم: أنه لا يشرع الأذان والإقامة لمن يصلي وحده في البلد الذي يؤذن فيه، ويقام لصلاة الجماعة العظمى. بل يكفي أذانهم، وإقامتهم.

وذهب جمهور العلماء من السلف، والخلف؛ إلى أن الإقامة سنة في حقه. ولا يكفيه إقامة الجماعة.

واختلفوا في الأذان.

[ ص: 374 ] والصحيح: أنه يشرع له إن لم يكن سمع أذان الجماعة. وإلا فلا يشرع.

(قال: وذهبنا لنقوم خلفه، فأخذ بأيدينا، فجعل أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله ) .

وهذا مذهبه رضي الله عنه، وصاحبيه.

وخالفهم جميع العلماء من الصحابة، فمن بعدهم، إلى الآن. فقالوا:

إذا كان مع الإمام رجلان، وقفا وراءه صفا؛ لحديث جابر، وجبار بن صخر. وقد ذكره مسلم في صحيحه في آخر الكتاب، في الحديث الطويل، عن جابر.

وأجمعوا إذا كانوا ثلاثة: أنهم يقفون وراءه.

وأما الواحد فيقف عن يمين الإمام، عند أهل العلم كافة. ونقل جماعة: الإجماع فيه.

ونقل عياض: عن ابن المسيب: أنه يقف عن يساره. ولا أظنه يصح عنه.

وإن صح فلعله لم يبلغه حديث ابن عباس. وكيف كان؛ فهم مجمعون اليوم، على أنه يقف عن يمينه.

(قال: فلما ركع وضعنا أيدينا على ركبنا. قال: فضرب أيدينا.

وطبق بين كفيه. ثم أدخلهما بين فخذيه ) .

مذهب العلماء كافة: أن السنة وضع اليدين على الركبتين. وكراهة التطبيق.

[ ص: 375 ] إلا أن ابن مسعود وصاحبيه: علقمة، والأسود. يقولون: إن السنة: التطبيق. لأنه لم يبلغهم الناسخ. وهو حديث سعد بن أبي وقاص.

والصواب ما عليه الجمهور، لثبوت الناسخ الصريح الصحيح المحكم؛ كما سيأتي بعد هذا الباب في الكتاب.

(قال: فلما صلى قال: إنه ستكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها، ويخنقونها إلى شرق الموتى ) .

أي: يؤخرون أداءها عن وقتها المضروب لها. وهو أول وقتها. لا عن جميع وقتها. ويضيقون وقتها.

يقال: هم في خناق من كذا. أي: في ضيق. "والمختنق" المضيق. "وشرق" بفتح الشين والراء؛ قال ابن الأعرابي: فيه معنيان.

أحدهما: أن الشمس في ذلك الوقت- وهو آخر النهار- تبقى ساعة ثم تغيب.

والثاني: أنه من قولهم: شرق الميت بريقه؛ إذا لم يبق بعده إلا يسيرا ثم يموت.

(فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك، فصلوا الصلاة لميقاتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة ) .

[ ص: 376 ] بضم السين، وإسكان الباء. هي النافلة. أي: صلوا في أول الوقت، يسقط عنكم الفرض. ثم صلوا معهم، متى صلوا لتحرزوا فضيلة أول الوقت، وفضيلة الجماعة.

ولئلا تقع فتنة بسبب التخلف عن الصلاة مع الإمام وتختلف كلمة المسلمين.

"وفيه" دليل على أن من صلى فريضة مرتين تكون الثانية: "سبحة" والفرض سقط بالأولى. وهذا هو الصحيح.

(وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعا. وإذا كنتم أكثر من ذلك فليؤمكم أحدكم. وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليجنأ وليطبق بين كفيه، فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراهم ) .

وفي رواية أخرى: (فضرب أيدينا، ثم طبق بين يديه، ثم جعلهما بين فخذيه، فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .

تقدم آنفا: أن التطبيق منسوخ. ولم يعلم به ابن مسعود رضي الله عنه. ويستفاد من ذلك، جواز العمل بالمنسوخ، إلى أن يبلغ الناسخ.

وقد وقع مثل هذا، لكثير من السلف والعلماء.

التالي السابق


الخدمات العلمية