السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
736 (باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع )

ومثله في النووي .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 194 ج4 المطبعة المصرية

[عن عطية بن قيس، ، عن قزعة، ، عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: "ربنا لك الحمد. ملء السماوات والأرض. وملء ما شئت من شيء بعد. أهل الثناء والمجد! أحق ما قال العبد. وكلنا لك عبد: اللهم! لا مانع لما أعطيت. ولا معطي لما منعت. ولا ينفع ذا الجد منك الجد" . ]


[ ص: 385 ] (الشرح)

(عن أبي سعيد الخدري ) ؛ رضي الله عنه: (قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: "ربنا لك الحمد ملء السماوات؛ والأرض ؛ وملء ما شئت من شيء بعد" ) .

(ملء ) : هو بنصب الهمزة، ورفعها؛ والنصب أشهر. وهو الذي اختاره ابن خالويه، ورجحه، وأطنب في الاستدلال له.

وجوز الرفع، على أنه مرجوح.

وحكي عن الزجاج: أنه يتعين الرفع. ولا يجوز غيره. وبالغ في إنكار النصب.

وقد ذكر النووي جميع ذلك بدلائله، مختصرا، في "تهذيب الأسماء واللغات".

قال العلماء: معناه: حمدا، لو كان أجساما لملأ السماوات والأرض.

"أهل الثناء والمجد!" أهل، منصوب على النداء. هذا هو المشهور. وجوز بعضهم رفعه على تقدير: أنت أهل الثناء. والمختار: النصب.

(والثناء ) : الوصف الجميل، والمدح.

[ ص: 386 ] (والمجد ) : العظمة، ونهاية الشرف. هذا هو المشهور في الرواية في مسلم وغيره.

قال القاضي: ووقع في رواية ابن ماهان: "أهل الثناء والحمد!" وله وجه. ولكن الصحيح المشهور الأول.

"أحق ما قال العبد. وكلنا لك عبد". هكذا هو في مسلم وغيره: (أحق ) بالألف "و كلنا" بالواو.

وأما ما وقع في كتب الفقه: (حق ما قال العبد: كلنا ) بحذف الألف والواو. فغير معروف من حيث الرواية. وإن كان كلاما صحيحا.

وعلى الرواية المعروفة تقديره: أحق قول العبد: "لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".

واعترض بينهما "وكلنا لك عبد". ومثل هذا الاعتراض في القرآن قول الله تعالى:

فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون .

اعترض قوله تعالى: وله الحمد في السماوات والأرض .

ومثله قوله تعالى: قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت على قراءة من قرأ "وضعت بفتح العين، وإسكان التاء.

[ ص: 387 ] ونظائره كثيرة. ومنه قول الشاعر:


ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد



وقول الآخر:


الأهل أتاها والحوادث جمة     بأن امرأ القيس بن يملك يبقرا

ونظائره كثيرة.

وإنما يعترض ما يعترض من هذا الباب، للاهتمام به. وارتباطه بالكلام السابق. وتقديره هنا: أحق قول العبد: (لا مانع لما أعطيت؛ وكلنا لك عبد ) . فينبغي لنا أن نقوله.

وقد أوضح هذه المسألة النووي ، بشواهدها، في آخر صفة الوضوء.

من "شرح المهذب.

وفي هذا الكلام دليل ظاهر، على فضيلة هذا اللفظ. فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى: أن هذا أحق ما قاله العبد.

فينبغي أن نحافظ عليه. لأن كلنا عبد، ولا نهمله ) .

وإنما كان أحق ما قاله العبد. لما فيه من التفويض إلى الله تعالى، والإذعان له، والاعتراف بوحدانيته، والتصريح بأنه: (لا حول ولا قوة إلا به ) . وأن الخير والشر منه. والحث على الزهادة في الدنيا، والإقبال على الأعمال الصالحة.

[ ص: 388 ] "وذا الجد" المشهور فيه فتح الجيم. هكذا ضبطه العلماء المتقدمون والمتأخرون.

قال ابن عبد البر: ومنهم من رواه بالكسر. وقال الطبري: هو بالفتح. قال: وقاله الشيباني بالكسر. قال: وهذا خلاف ما عرفه أهل النقل. ولا يعلم من قاله غيره.

وضعف الطبري ومن بعده "الكسر". وقالوا: ومعناه على ضعفه:

الاجتهاد.

أي: لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده. إنما ينفعه، وينجيه رحمتك. وقيل: المراد: الجد، والسعي التام؛ في الحرص على الدنيا..

وقيل: معناه: الإسراع في الهرب. أي: لا ينفع ذا الإسراع في الهرب منك هربه. فإنه في قبضتك وسلطانك.

والصحيح المشهور: الجد. بالفتح. وهو الحظ، والغنى؛ والسلطان.

أي لا ينفع ذا الحظ في الدنيا بالمال، والولد، والعظمة، والسلطان، منك حظه. أي: لا ينجيه حظه منك.

وإنما ينفعه، وينجيه "العمل الصالح". كقوله تعالى:

المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا

والله أعلم بالصواب.

التالي السابق


الخدمات العلمية