السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
909 [ ص: 407 ] (باب صفة الجلوس في الصلاة )

وزاد النووي : (وكيفية وضع اليدين على الفخذين ) .

(حديث الباب )

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 79 ج 5 المطبعة المصرية

[عن عبد الواحد (وهو ابن زياد ) حدثنا. عثمان بن حكيم. حدثني عامر بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه. وفرش قدمه اليمنى. ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى. ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى. وأشار بإصبعه. ]


(الشرح)

(عن عبد الله بن الزبير ) رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة، جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه ) .

هذا الذي ذكره من صفة القعود، هو التورك. لكن قوله: (وفرش قدمه اليمنى ) مشكل. لأن السنة في القدم اليمنى، أن تكون منصوبة باتفاق العلماء.

[ ص: 408 ] وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على ذلك في صحيح البخاري، وغيره. قال عياض: قال أبو محمد الخشني: صوابه: وفرش قدمه اليسرى. ثم أنكره القاضي. لأنه قد ذكر في هذه الرواية ما يفعل باليسرى؛ وأنه جعلها بين فخذه وساقه. قال: ولعل صوابه: ونصب قدمه اليمنى..

قال: وقد تكون الرواية صحيحة في اليمنى، ويكون معنى (فرشها ) ؛ أنه لم ينصبها على أطراف أصابعه في هذه المرة. ولا فتح أصابعها، كما كان يفعل في غالب الأحوال.

قال النووي : وهذا التأويل الأخير هو المختار. ويكون فعل هذا لبيان الجواز. وأن وضع أطراف الأصابع على الأرض، وإن كان مستحبا، يجوز تركه.

وهذا التأويل له نظائر كثيرة. لاسيما في باب الصلاة. وهو أولى من تغليط رواية ثابتة في الصحيح؛ واتفق عليها جميع نسخ مسلم .

ومذهب مالك، وطائفة: تفضيل التورك في التشهدين لهذا الحديث. ومذهب أبي حنيفة وطائفة: تفضيل الافتراش.

ومذهب الشافعي، وطائفة: يفترش في الأول، ويتورك في الأخير، لحديث أبي حميد الساعدي، ورفقته، في صحيح البخاري. وهو صريح في الفرق بين التشهدين.

[ ص: 409 ] قال الشافعي: والأحاديث الواردة بتورك أو افتراش مطلقة، لم يبين فيها، أنه في التشهدين، أو أحدهما.

وقد بينه "أبو حميد ورفقته، ووصفوا الافتراش في الأول، والتورك في الأخير. وهذا مبين. فوجب حمل ذلك المجمل عليه. والله أعلم.

أقول: قد تقدم أن أصح ما ورد وأكثر ما روي: هو التورك وورد النصب، والفرش، ورودا يسيرا بالنسبة إليه.

وورد صفة ثالثة في هذا الحديث. وأصحها هو (التورك ) ، ووضع يده اليسرى، على ركبته اليسرى. وفي رواية: (ويلقم كفه اليسرى ركبته ) وهذا دليل على استحباب ذلك.

قال النووي : وقد أجمع العلماء على استحباب وضعها، عند الركبة، وبعضهم يقول: بعطف أصابعها على الركبة. وهو معنى الرواية الثانية المذكورة.

والحكمة في وضعها عند الركبة، منعها من العبث.

(ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ) . قال النووي : وهذا مجمع على استحبابه.

(وأشار بإصبعه ) السبابة. وفي رواية: (وعقد ثلاثا وخمسين؛ وأشار بالسبابة ) .

وفي أخرى: (وأشار بإصبعه السبابة، ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى ) .

[ ص: 410 ] وهاتان الروايتان، محمولتان على حالين: ففعل في وقت هذا.

وفي وقت هذا.

وقد رام بعضهم الجمع بينهما؛ بأن يكون المراد بقوله: (ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى ) ، كما في الرواية الأخرى: وضعها قريبا من أسفل الوسطى. وحينئذ يكون بمعنى العقد المذكور. وأما الإشارة بالمسبحة؛ فمستحبة عند الشافعية. للأحاديث الصحيحة.

قالوا: يشير عند قوله: (إلا الله ) . من الشهادة. ويشير بمسبحته اليمنى لا غير.

والسنة: أن لا يجاوز بصره إشارته.

وفيه: حديث صحيح في سنن أبي داود. (ويشير بها موجهة إلى القبلة؛ وينوي بالإشارة التوحيد، والإخلاص ) .

قلت: وهذه المسألة أيضا، مما فيه خلاف بين الحنفية، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قد زلت قدم أكثرهم في هذا المقام، حتى فاه منهم من فاه بالطعن [ ص: 411 ] في ذلك على أهل الحديث الكرام. ولا غرو؛ فإن الرأي في الدين تحريف. ويفضي بصاحبه إلى أكثر من هذه المزلة والذلة.

عصمنا الله وإخواننا المتبعين عن مثل ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية