السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
69 (باب من الإيمان حسن الجوار وإكرام الضيف)

وقال النووي: (باب الحث على إكرام الجار، والضيف، ولزوم الصمت، إلا عن الخير، وكون ذلك كله من الإيمان) والمعاني متقاربة.

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 20 جـ2 المطبعة المصرية

[عن أبي شريح الخزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت ].

[ ص: 163 ]


(الشرح)

(عن أبي شريح الخزاعي ) ؛ اسمه: خويلد بن عمرو، وقيل «عبد الرحمن» ، وقيل «عمرو بن خويلد» ، وقيل «هانئ بن عمرو» ، وقيل «كعب» ، وإنه يقال «الخزاعي» ، و «العدوي» ، و «الكعبي» .

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» .

قال عياض: معنى الحديث: أن من التزم شرائع الإسلام لزمه إكرام جاره، وضيفه، وبرهما. وكل ذلك تعريف بحق الجار، وحث على حفظه، وقد أوصى (الله تعالى) بالإحسان إليه في كتابه العزيز. وقال صلى الله عليه وسلم: «ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» .

«والضيافة» : من آداب الإسلام، وخلق النبيين، والصالحين، وقد أوجبها «الليث» ليلة واحدة. واحتج بالحديث: «ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم الخ» وسيأتي، وبحديث عقبة بن عامر في الصحيحين «إن نزلتم بقوم، فأمروا لكم بحق الضيف، فاقبلوا، وإن لم يفعلوا، فخذوا منهم حق الضيف، الذي ينبغي لهم» .

وعامة الفقهاء على أنها من مكارم الأخلاق: وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم: [ ص: 164 ] «جائزته يوم وليلة» . «والجائزة» : العطية والمنحة والصلة، وذلك لا يكون إلا مع الاختيار. وقوله صلى الله عليه وسلم: «فليكرم وليحسن» يدل على هذا أيضا. إذ ليس يستعمل مثله في الواجب، مع أنه مضموم إلى الإكرام للجار، والإحسان إليه، وذلك غير واجب. وتأولوا الأحاديث بأنها كانت في أول الإسلام، إذ كانت المواساة واجبة.

واختلفوا: هل الضيافة على الحاضر والبادي؟ أم على البادي خاصة؟ «فذهب الشافعي ومحمد بن الحكم إلى أنها عليهما» وقال: مالك وسحنون: «إنما ذلك على أهل البوادي» لأن المسافر يجد في الحضر «المنازل» وما يشتري في الأسواق.

وقد تتعين الضيافة لمن اجتاز محتاجا وخيف عليه. وعلى أهل الذمة إذا اشترطت عليهم.

هذا حاصل كلام القاضي عياض «رح» . والتحقيق في هذه المسألة ما ذكره القاضي العلامة، محمد بن علي الشوكاني «رح» في مختصره: وهو أنه، يجب على من وجد ما يقري به من نزل من الضيوف، أن يفعل ذلك.

وحد الضيافة إلى ثلاثة أيام. وما كان وراء ذلك فصدقة. ولا يحل للضيف أن يثوي عنده، حتى يحرجه، وإذا لم يفعل القادر على الضيافة ما يجب عليه. كان للضيف أن يأخذ من ماله، بقدر قراه. انتهى.

[ ص: 165 ] واحتج «رح» بحديث عقبة المتقدم؛ وحديث أبي شريح الخزاعي، وفيه «فليكرم ضيفه جائزته» قال: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: «يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة، ولا يحل أن يثوي عنده حتى يحرجه، أو يضيق صدره» ، وهذا الحديث في الصحيحين.

وأخرج أحمد وأبو داود من حديث المقدام؛ «أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: -ليلة الضيف واجبة على كل مسلم -فإن أصبح بفنائه محروما، كان دينا له عليه، إن شاء اقتضاه، وإن شاء تركه» ، وإسناده صحيح.

وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم من حديث أبي هريرة نحوه، وإسناده صحيح. وفي الباب أحاديث.

قال: وقال الجمهور «الجائزة» هي: «العطية، والصلة» ، وأصلها «الندب» ولا يخفى أن هذا اللفظ، لا ينافي الوجوب، وأدلة الباب مقتضية لذلك. لأن التغريم، لا يكون للإخلال بأمر مندوب، وكذلك قوله «واجبة» ، فإنه نص في محل النزاع، وكذلك قوله «فما كان وراء ذلك فهو صدقة» .

«ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليسكت» .

معناه: أنه إذا أراد أن يتكلم؛ فإن كان ما يتكلم به خيرا محققا يثاب عليه، واجبا أو مندوبا فليتكلم. وإن لم يظهر له أنه خير يثاب عليه، فليمسك عن الكلام، سواء ظهر له أنه حرام، أو مكروه، أو مباح مستوي الطرفين. فعلى هذا يكون الكلام المباح مأمورا [ ص: 166 ] بتركه، مندوبا إلى الإمساك عنه مخافة من انجراره، إلى المحرم أو المكروه؛ وهذا يقع في العادة كثيرا أو غالبا؛ وقد قال تعالى:

ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد .

واختلف السلف والعلماء في أنه: هل يكتب جميع ما يلفظ به العبد، وإن كان مباحا، لعموم الآية. أم لا يكتب إلا ما فيه جزاء، من ثواب وعقاب؟

وإلى الثاني ذهب ابن عباس وغيره من أهل العلم، وعلى هذا تكون الآية مخصوصة، أي: ما يلفظ من قول يترتب عليه جزاء.

وقال الشافعي أخذا لمعنى الحديث: إذا أراد أن يتكلم، فليفكر، فإن ظهر له أنه لا ضرر عليه، تكلم. وإن ظهر له فيه ضرر، أو شك فيه، أمسك.

وقال الإمام الجليل عبد الله بن زيد «إمام المالكية بالمغرب في زمنه» : جماع آداب الخير، يتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فليقل خيرا أو ليصمت» ؛ وقوله «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» : وقوله للذي اختصر له الوصية «لا تغضب» : وقوله «حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» .

وللسكوت والصمت، فوائد كثيرة، لا يعلمها إلا من سكت، «ومن سكت نجا» .

وللكلام آفات، يعرفها من ابتلي بها؛ وبالجملة يفضل السكوت على [ ص: 167 ] الكل على العلات، إلا ما كان من ذكر الله، وتلاوة كتابه؛ ورواية حديث رسوله، وقراءة شروح علم السنة المطهرة، وما يعين عليها من العلوم الآلية وبالله التوفيق.

التالي السابق


الخدمات العلمية