السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
1432 [ ص: 186 ] (باب التغليط في ترك الجمعة)

وذكره النووي في: (كتاب الجمعة)

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 152ج6 المطبعة المصرية

[ عن الحكم بن ميناء أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة حدثاه أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين. ]


(الشرح)

(عن الحكم بن ميناء أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة حدثاه أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره ).

فيه: استحباب اتخاذ "المنبر" . قال النووي : وهو سنة مجمع عليها.

(لينتهين أقوام عن ودعهم) . أي: "تركهم" (الجمعات) .

وفيه: أن الجماعة فرض عين.

(أو ليختمن الله على قلوبهم) .

"الختم": الطبع، والتغطية. ومثله: "الرين". قيل: هو إعدام اللطف وأسباب الخير.

[ ص: 187 ]

وقيل: هو خلق الكفر في صدورهم. وهو قول أكثر متكلمي أهل السنة.

وقال غيرهم: هو الشهادة عليهم.

وقيل: هو علامة، جعلها الله تعالى في قلوبهم، لتعرف بها الملائكة:

من يمدح ومن يذم.

(ثم ليكونن من الغافلين) .

قال في "السيل الجرار": الأدلة المصرحة بأنها: حق واجب على مكلف، وبأنها: واجبة على كل محتلم، وبالوعيد الشديد على تاركها، وبهمه صلى الله عليه وسلم بإحراق المتخلفين عنها، تقتضي أنها: واجبة على الأعيان.

قال: ثم ليس بعد الأمر القرآني، المتناول لكل فرد، من قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله :، حجة بينة، واضحة.

وزحلقة دلالة هذه الآية عن: (الوجوب العيني) ، تعصب يأباه الإسلام.

وأما الاستثناء، فيدل عليه ما أخرجه (أبو داود) من حديث طارق بن شهاب: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

[ ص: 188 ] " الجمعة حق واجب على كل مسلم، في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك ، أو امرأة ، أو صبي ، أو مريض") . وقد صححه غير واحد من الأئمة.

وفي حديث (جابر) بلفظ: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فعليه الجمعة إلا امرأة، أو مسافرا، أو عبدا، أو مريضا".

وفي إسناده ضعف.

قال: ومجرد الترخيص لهؤلاء، لا يدل على عدم صحة الجمعة منهم.

إذ الرخصة: ما خير المكلف بين فعله وتركه، مع بقاء سبب الوجوب والتحريم. كما تقرر في الأصول. انتهى.

وأقول: اشترط الفقهاء لهذه الصلاة، شروطا لا دليل عليها، منها:

الإمام العادل. وليس على هذا الاشتراط أثارة من علم.

بل لم يصح ما يروى في ذلك، عن بعض السلف. فضلا عن أن يصح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن طول المقال في هذا المقام، فلم يأت بطائل قط. ولا يستحق ما لا أصل له، أن يشتغل برده. بل يكفي فيه: أن يقال: هذا كلام ليس من الشريعة، وكل ما ليس هو منها، فهو رد. أي: مردود على قائله، مضروب في وجهه.

[ ص: 189 ] ومنها: المسجد في مستوطن. وهذا الشرط أيضا لم يدل عليه دليل، يصلح للتمسك به، لمجرد الاستحباب، فضلا عن الشرطية.

ولقد كثر التلعب بهذه العبادة، وبلغ إلى حد يقضي منه العجب.

والحق: أن هذه الجمعة فريضة، من فرائض الله سبحانه. وشعار من شعائر الإسلام. وصلاة من الصلوات.

فمن زعم: أنه يعتبر فيها، ما لا يعتبر في غيرها من الصلوات، لم يسمع منه ذلك، إلا بدليل.

وقد تخصصت بالخطبة. وليست الخطبة إلا مجرد موعظة، يتواعظ بها عباد الله.

فإذا لم يكن في المكان إلا رجلان، قام أحدهما يخطب، واستمع له الآخر، ثم قاما فصليا صلاة الجمعة.

وقد روي: "الاعتماد على سيف أو نحوه" حال الخطبة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروي عنه أيضا: التسليم على الحاضرين، قبل الشروع في الخطبة، من طرق يقوي بعضها بعضا.

ومن جملة ما اشتملت عليه السنة المطهرة، في هذه العبادة المباركة فيها، ولها، وعليها: الإتيان إلى الجمعة بالسكينة، والوقار.

وعدم تخطي الرقاب.

وترك الجلوس في مجلس، قد سبق إليه سابق.

والتطيب بعد الاغتسال.


وصلاة ركعتي التحية، ولو في حال الخطبة.

[ ص: 190 ] وصلاة أربع ركعات، بعد الفراغ من الصلاة.

والتبكير إلى الجمعة.

وترك الاحتباء، حال الخطبة.

وترك العبث بالحصى.

والتحول من المحل الذي نعس فيه، إلى غيره.

ومن المشروعات في هذا اليوم: الاستكثار من الدعاء; لأن فيه الساعة، التي لا يرد فيها الدعاء.

والاستكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ثم يصلي بالناس، مدة حياته.

ثم كذلك الخلفاء الراشدون، ومن بعدهم.

بل كان هذا، هو الأمر المستمر عند أمراء الأمصار، فضلا عن الخلفاء.

فالذي يخطب، هو يصليها بالناس.

والواجب يوم "الجمعة": الجمعة. فريضة من الله عز وجل، فرضها على عباده.

فإذا فاتت بعذر، فلا بد من دليل يدل على وجوب صلاة الظهر.

وفي حديث ( ابن مسعود ) بلفظ: "ومن فاتته الركعتان، فليصل أربعا".

قال في "مجمع الزوائد": إسناده حسن.

فهذا يدل على: أن من فاتته الجمعة، صلى "الظهر". فإن كانت الأصالة من هذه الحيثية، فذاك.

[ ص: 191 ]

وأما ما ذكره أهل الفروع، من فوائد الخلاف في هذه المسألة، فلا أصل لشيء من ذلك.

وإيجاب رفض الجمعة، وتتميمها ظهرا، مخالف للدليل.

وأما حديث ( أبي هريرة ) عند النسائي بلفظ: "من أدرك ركعة من الجمعة، فقد أدرك الجمعة" .

وحديث ( ابن مسعود ) : "من أدرك من الجمعة ركعة، فليضف إليها أخرى" .

فهذان يدلان على: ما دل عليه حديث ( أبي هريرة ) في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة" ) .

فإن صلاة الجمعة، داخلة في هذا العموم، ولا تخرج عنه إلا بمخصص.

ولا مخصص.

بل حديث ( أبي هريرة ) الأول، له (اثنا عشر) طريقا. صحح الحاكم ثلاثا منها.

قال في "البدر المنير": هذه الطرق الثلاث، أحسن طرق هذا الحديث. والباقي ضعاف.

وأخرجه النسائي، وابن ماجه، والدارقطني، من حديث ( ابن عمر ) . وله طرق.

وقال الحافظ في "بلوغ المرام": إسناده صحيح. وأقر ( أبو حاتم ) إرساله.

[ ص: 192 ]

فهذه الأحاديث، تقوم بها الحجة.

وأما تعدد الجمعات في مصر واحد، فهذه المسالة قد اشتهرت بين أهل المذاهب، وتكلموا فيها، وصنف فيها من صنف. وهي مبنية على غير أساس. وليس عليها أثارة من علم قط.

وما ظنه بعض المتكلمين فيها من كونه دليلا عليها، هو بمعزل عن الدلالة.

ومن أوقعهم في هذه الأقوال الفاسدة، إلا ما زعموه عن الشروط، التي اشترطوها بلا دليل، ولا شبهة دليل.

فالحاصل: أن صلاة الجمعة: صلاة من الصلوات. يجوز أن تقام في وقت واحد: جمع متعددة، في مصر واحد.

كما تقام جماعات سائر الصلوات، في المصر الواحد، ولو كانت المساجد متلاصقة.

ومن زعم خلاف هذا، فإن كان مستند زعمه مجرد الرأي، فليس ذلك بحجة على أحد. وإن كان مستند زعمه الرواية، فلا رواية.

هذا مما أفاده العلامة (الشوكاني) ، في كتابه: "السيل الجرار". رحمه الله.

التالي السابق


الخدمات العلمية