السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
1388 (باب ما جاء في صلاة الخوف)

ولفظ النووي : (باب صلاة الخوف) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 127، 128 ج 6 المطبعة المصرية

[ (عن جابر) قال: غزونا مع رسول الله [ ص: 260 ] صلى الله عليه وسلم قوما من جهينة فقاتلونا قتالا شديدا، فلما صلينا الظهر قال المشركون: لو ملنا عليهم ميلة لاقتطعناهم. فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فذكر ذلك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقالوا إنه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد. فلما حضرت العصر قال: صفنا صفين والمشركون بيننا وبين القبلة. قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكبرنا، وركع فركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول. فلما قاموا، سجد الصف الثاني. ثم تأخر الصف الأول وتقدم الصف الثاني، فقاموا مقام الأول، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا وركع فركعنا، ثم سجد معه الصف الأول وقام الثاني، فلما سجد الصف الثاني ثم جلسوا جميعا سلم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال أبو الزبير: ثم خص جابر أن قال: كما يصلي أمراؤكم هؤلاء
) .


(الشرح)

ذكر مسلم رضي الله عنه في هذا الباب، أربعة أحاديث:

أحدها: هذا الحديث.

والثاني: حديث ابن عمر . وبه أخذ الأوزاعي، وأشهب.

والثالث: حديث ابن أبي حثمة. وبهذا أخذ مالك، والشافعي، وأبو ثور، وغيرهم.

[ ص: 261 ] وذكر عنه أبو داود في سننه، صفة أخرى.

الرابع: حديث ابن عباس، نحو حديث جابر هذا. وفيه: صفة أخرى أيضا. وبه قال الشافعي، وابن أبي ليلى، وأبو يوسف.

هذه أربعة أوجه، بل ستة، في صلاة الخوف.

وروى ابن مسعود، وأبو هريرة، وجها سابعا.

وقد روى أبو داود، وغيره: وجوها أخر فيها، بحيث يبلغ مجموعها: ستة عشر وجها.

وذكر ابن القصار المالكي: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في عشرة مواطن.

قال النووي : والمختار أن هذه الأوجه كلها جائزة، بحسب مواطنها.

وفيها تفصيل وتفريع مشهور، في كتب الفقه.

قال الخطابي: صلاة الخوف أنواع. صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة، وأشكال متباينة. يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة، وأبلغ في الحراسة.

فهي على اختلاف صورها، متفقة المعنى. انتهى.

وأقول: الظاهر ثبوت مشروعية صلاة الخوف، من كل أمر يخاف منه. في السفر، والحضر.

ولا بدل كونه صلى الله عليه وسلم لم يصلها إلا من خوف خاص، وفي أسفاره:

على أنها لا تصلي من خوف من غير آدمي، ولا تصلي في الحضر، [ ص: 262 ] فإن العلة التي شرعت لها، كائنة في الجميع.

ولا يصح التمسك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصلها في المدينة، مع اشتداد الملاحمة والمدافعة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم اشتغل هو وأصحابه مدافعة الأحزاب، كما في حديث جابر وغيره في البخاري .

وفي حديث أبي سعيد عند النسائي، وابن حبان : أن ذلك كان قبل أن ينزل قوله تعالى: فرجالا أو ركبانا .

وهي تفعل في أول الوقت، ووسطه، وآخره، على حسب ما تقتضيه الحال.

وقد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من المواطن، وهو طالب للكفار غير مطلوب.

قال في (السيل الجرار) : وقد وردت على أنحاء مختلفة، وثبت فيها صفات. فأيها فعل المصلون فقد أجزأهم.

وقد ذكرنا ما ورد فيها من الأنواع، في شرحنا "للمنتقى". وذكرنا جملة ما صح من ذلك. انتهى.

فليرجع إليه، فإن إيراده يحتاج إلى تطويل، يخالف ما هو الغرض لنا من التنبيه على الصواب، والإرشاد إلى الحق.

[ ص: 263 ] ولا وجه للاقتصار على صفة دون صفة، كما فعل فقهاء الأمصار، فإن ذلك تضييق الدائرة، قد وسعها الله تعالى على عباده. وتحجير لها بلا دليل يدل على ذلك.

وإذا لم توافق صفة من الصفات الواردة فيها، فغاية ما هناك أنه أتى ببعض صلاته جماعة، وببعضها فرادى، وذلك لا يقتضي الفساد.

وأما إفسادها بالفعل الكثير، للخيال الكاذب، فقد قدمنا في الفعل الكثير ما يغني عن الإعادة.

وفي حديث عبد الملك بن أنيس، عند أبي داود: دليل على فعل ما أمكنه، ولو بمجرد الإيماء إلى غير القبلة.

وفيه: أنه لا يشترط كونهم طالبين.

وفيه: أن صلاة الخوف تصح أن تكون فرادى.

التالي السابق


الخدمات العلمية