السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
1548 (باب الميت يعذب ببكاء الحي)

وأورده النووي في: (كتاب الجنائز) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 234، 235 ج المطبعة المصرية

[ (عن عبد الله بن أبي بكر، ، عن أبيه ، عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أنها سمعت عائشة ) وذكر لها أن [ ص: 310 ] عبد الله بن عمر يقول: إن الميت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة : يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب. ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها، فقال: "إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب في قبرها" .]


(الشرح)

فيه: إنكار عائشة على ابن عمر، ونسبتها النسيان إليه ، والخطأ عليه.

والمراد: أنها تعذب بكفرها في حال بكاء أهلها، لا بسبب البكاء.

وفي الباب أحاديث صحيحة، بألفاظ وطرق، عند مسلم وغيره.

واختلف أهل العلم فيها:

فتأولها الجمهور: على أن من وصى بأن يبكى عليه، ويناح بعد موته، فنفذت وصيته. فهذا يعذب ببكاء أهله عليه، ونوحهم؛ لأنه بسببه، ومنسوب إليه.

فأما من غير وصية، فلا يعذب.

قالوا: وكان من عادة العرب: "الوصية بذلك ".

ومنه قول طرفة بن العبد:


إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا ابنة معبد



[ ص: 311 ] فخرج الحديث مطلقا، حملا على ما كان معتادا لهم.

قالوا: ومن أوصى بتركها فلا يعذب؛ إذ لا صنع له فيها، ولا تفريط منه.

وحاصل القول، في الجمع بين الروايات: إيجاب الوصية بترك النوح، والبكاء. ومن أهملها عذب بهما.

وقالت طائفة: كانوا ينوحون على الميت، ويندبونه بتعديد شمائله ومحاسنه، في زعمهم. وتلك الشمائل، قبائح في الشرع، عذب بها.

كقولهم: يا مؤيم النسوان، ومؤتم الولدان، ومخرب العمران، ومفرق الأخدان، ونحو ذلك. وهو حرام شرعا.

وقيل: يعذب بسماعه بكاء أهله، ويرق لهم. وإلى هذا ذهب ابن جرير الطبري، وغيره.

قال عياض : وهو أولى الأقوال.

قال النووي : والصحيح ما قدمنا عن الجمهور.

وأجمعوا كلهم، على اختلاف مذاهبهم: على أن المراد "بالبكاء" هنا: البكاء بصوت ونياحة، لا مجرد دمع العين..

قال في " السيل الجرار ": قد ثبت عنه، من طرق في الصحيحين وغيرهما: " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ".

[ ص: 312 ] وفي لفظ: "يعذب في قبره بما نيح عليه".

فهذا يدل على أن النوح والبكاء، الذي يمكن دفعه: حرام.

وأما مجرد فيضان الدمع، وذروفها بالدموع، من دون صوت ولا نوح، ولا تعمد للبكاء: فهو الذي حصل الإذن به.

وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: "ولا نقول إلا ما يرضي ربنا"، وما في معناه.

قال: فهكذا ينبغي أن يكون الجمع بين الأحاديث المختلفة، في هذا الباب.

التالي السابق


الخدمات العلمية