السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
1567 (باب في تحسين كفن الميت)

وذكره النووي في: (كتاب الجنائز) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 10- 12 ج 7 المطبعة المصرية

[عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل. وقبر ليلا. فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه. إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه" .]
(الشرح)

(عن جابر بن عبد الله ) رضي الله عنهما، (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب [ ص: 327 ] يوما، فذكر رجلا من أصحابه، قبض فكان في كفن غير طائل) .

أي: حقير، غير كامل الستر.

(وقبر ليلا. فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل، حتى يصلى عليه) ، بفتح اللام. قيل: سبب هذا النهي: أن الدفن نهارا يحضره كثيرون من الناس، ويصلون عليه. ولا يحضره في الليل إلا أفراد.

وقيل: لأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل، لرداءة الكفن، فلا يبين في الليل.

ويؤيده أول الحديث وآخره.

قال عياض : العلتان صحيحتان.

قال: والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قصدهما معا. قال: وقد قيل هذا.

(إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك) .

فيه: دليل على أنه لا بأس به، في وقت الضرورة. فإن للضرورة حكمها.

وكره الحسن البصري، الدفن بالليل، إلا لضرورة. وهذا الحديث مما يستدل له به.

وقال جماهير العلماء من السلف والخلف: لا يكره.

[ ص: 328 ] واستدلوا: بأن أبا بكر الصديق، وجماعة من السلف؛ دفنوا ليلا من غير إنكار. وبحديث المرأة السوداء، (أو الرجل) الذي كان يقم المسجد فتوفي بالليل، فدفنوه ليلا، وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فقالوا: توفي ليلا، فدفناه في الليل. فقال: "ألا آذنتموني؟" قالوا: كانت ظلمة. ولم ينكر عليهم.

وأجابوا عن هذا الحديث: أن النهي كان لترك الصلاة، ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل.

قلت: والصحيح الراجح، ما دل عليه ظاهر حديث الباب: إلا لضرورة.

والجواب، مجاب عنه بأدنى تأمل.

(وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كفن أحدكم أخاه، فليحسن كفنه") .

ضبط بوجهين: فتح الفاء، وإسكانها. وكلاهما صحيح. قال عياض : والفتح أصوب وأظهر، وأقرب إلى لفظ الحديث.

قال النووي : وفي الحديث: الأمر بإحسان الكفن.

قال العلماء: وليس المراد بإحسانه: السرف فيه، والمغالاة، ونفاسته.

وإنما المراد: نظافته، ونقاؤه، وكثافته، وستره، وتوسطه، وكونه من جنس لباسه في الحياة غالبا، لا أفقر منه، ولا أحقر.

وفي " السيل الجرار ": إذا كان للميت تركة، كان على المتولي لتكفينه: [ ص: 329 ] أن يحسن كفنه، كما أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال:

" إذا ولي أحدكم أخاه، فليحسن كفنه". أخرجه الترمذي، وابن ماجة، من حديث أبي قتادة.

وقال الترمذي : إسناده حسن، وأيضا رجال إسناده ثقات. وهو أيضا ثابت في صحيح مسلم، من حديث جابر .

قال: وتكره المغالاة، لأن المراد بها: أن يعمد إلى الثياب المرتفعة الأثمان، الغالية القيمة، فيكفن الميت، مع حصول المقصود بما هو دونها.

وقد عرفت أن الزيادة على ما ورد به الشرع، إضاعة للمال. وتحسين الكفن، وكونه جديدا أبيض، لا ينافي هذا، فإن ذلك يحصل بدون المغالاة.

ويؤيد النهي عن المغالاة فيه، قوله: "فإنه يسلب سريعا". كما أخرجه أبو داود، من حديث علي (عليه السلام ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية