السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
1578 (باب فيمن يثنى عليه بخير أو شر من الموتى)

وهو في النووي في الكتاب المتقدم.

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 18، 19 ج 7 المطبعة المصرية

[عن أنس بن مالك، قال: مر بجنازة فأثني عليها خيرا فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "وجبت، وجبت، وجبت".

ومر بجنازة فأثني عليها شرا فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "وجبت، وجبت، وجبت".

قال عمر: فدى لك أبي وأمي مر بجنازة فأثني عليها خير، فقلت: "وجبت، وجبت، وجبت" ومر بجنازة فأثني عليها شر، فقلت: "وجبت، وجبت، وجبت".

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من أثنيتم عليه خيرا، وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض
.


[ ص: 366 ] (الشرح)

(عن أنس بن مالك) رضي الله عنه، (قال: مر بجنازة فأثني عليها خيرا) .

هكذا في الأصول: "خيرا"، وكذا "شرا": بالنصب. وهو منصوب بإسقاط الجار. أي: فأثني بخير أو شر. وفي بعضها مرفوع.

(فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "وجبت، وجبت، وجبت) . ثلاث مرات، في المواضع الأربعة.

(ومر بجنازة أثني عليها شرا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " وجبت، وجبت، وجبت ") .

وفي هذا الحديث: استحباب توكيد الكلام المهتم بتكراره، ليحفظ، وليكون أبلغ.

(فقال عمر: فدى لك) . مقصور، بفتح الفاء وكسرها. (أبي وأمي؛ مر بجنازة فأثني عليها خيرا فقلت: "وجبت، وجبت، وجبت".

ومر بجنازة فأثني عليها شرا، فقلت: " وجبت وجبت، وجبت.) قال أهل اللغة: "الثناء" بتقديم الثاء، وبالمد: يستعمل في الخير، ولا يستعمل في الشر. هذا هو المشهور.

وفيه: لغة شاذة، أنه يستعمل في الشر أيضا.

[ ص: 367 ] وأما "النثا"، بتقديم النون وبالقصر، فيستعمل في الشر خاصة.

وإنما استعمل "الثناء الممدود هنا " في الشر مجازا، لتجانس الكلام.

كقوله تعالى: وجزاء سيئة سيئة ، ومكروا ومكر الله .

(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أثنيتم عليه خيرا، وجبت له الجنة. ومن أثنيتم عليه شرا، وجبت له النار".)

فيه: قولان:

"أحدهما": أن هذا الثناء بالخير، لمن أثنى عليه أهل الفضل. فكان ثناؤهم مطابقا لأفعاله، فيكون من أهل الجنة.

فإن لم يكن كذلك، فليس هو مرادا بالحديث.

والثاني: أنه على عمومه وإطلاقه. وأن كل مسلم مات، فألهم الله تعالى الناس أو معظمهم: الثناء عليه، كان ذلك دليلا على أنه من أهل الجنة.

سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا. وإن لم تكن أفعاله تقتضيه، فلا تحتم عليه العقوبة، بل هو في خطر المشيئة.

فإذا ألهم الله عز وجل الناس الثناء عليه، استدللنا بذلك على أنه سبحانه وتعالى، قد شاء المغفرة له.

[ ص: 368 ] قال النووي : وهذا هو الصحيح المختار. وبهذا تظهر فائدة الثناء، وقوله صلى الله عليه وسلم: "وجبت، وأنتم شهداء الله".

ولو كان لا ينفعه ذلك، إلا أن تكون أعماله تقتضيه، لم يكن للثناء فائدة، وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم فائدة.

فإن قيل: كيف كنوا بالثناء بالشر، مع الحديث الصحيح في البخاري وغيره: في النهي عن سب الأموات ؟

فالجواب: أن النهي عنه، هو في غير المنافق وسائر الكفار، وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة؛ فأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بشر، للتحذير من طريقتهم، ومن الاقتداء بآثارهم، والتخلق بأخلاقهم.

وهذا الحديث؛ محمول على أن الذي أثنوا عليه "بشر"، كان مشهورا بنفاق، أو نحوه، ما ذكرنا.

هذا هو الصواب في الجواب عنه، وفي الجمع بينه وبين النهي عن السب.

قال: وقد بسطت معناه بدلائله، في كتاب: "الأذكار ". انتهى.

قلت: ولا بد من أن يكون الموت عليه بخير، ممن لا يشركون بالله شيئا؛ وإلا فكل قوم يثنون على موتاهم، ولهم في ذلك أغراض ومقاصد.

[ ص: 369 ] (أنتم شهداء الله في الأرض. أنتم شهداء الله في الأرض. أنتم شهداء الله في الأرض) ثلاث مرات.

وهذا الخطاب، لا يختص بالمخاطبين بهذا الكلام. بل يصلح لكل من يكون من أهل الفضل، والصلاح، والخير، والتوحيد، والسنة.

وفيه: إن لشهادة الصلحاء الفضلاء أثرا في وجوب الجنة للميت، ووجوب النار له. ونعوذ بالله من النار.

التالي السابق


الخدمات العلمية