السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

صفحة جزء
1609 (باب الأمر بتسوية القبور)

وذكره النووي في: (كتاب الجنائز) .

(حديث الباب)

وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 36 ج 7 المطبعة المصرية

[عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته .]


(الشرح)

(عن أبي الهياج الأسدي) . اسمه: "حيان بن حصين". وهياج: بفتح الهاء وتشديد الياء.

(قال: قال لي علي بن أبي طالب) كرم الله وجهه: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته) .

وفي حديث ثمامة بن شفي قال: "كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس، فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بقبري فسوي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها".

[ ص: 378 ] و "رودس" براء مضمومة، واو ساكنة، ودال مكسورة: جزيرة بأرض الروم.

قال النووي : "فيه" أن السنة: أن لا يرفع القبر رفعا كثيرا، ولا يسنم. بل يقع نحو شبر ويسطح.

قال: وهذا مذهب الشافعي، ومن وافقه.

ونقل عياض عن أكثر العلماء: أن الأفضل عندهم تسنيمها، وهو مذهب مالك. انتهى.

قلت: اتفق أهل العلم، على جواز التسنيم والتربيع. وإنما اختلفوا في الأفضل؛ فاستدل القائلون بأن التسنيم أفضل، مما أخرجه " البخاري " في صحيحه عن سفيان التمار: "أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما".

واستدل القائلون بالتربيع، مما أخرجه "أبو داود"، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر؛ عن عائشة رضي الله عنها، "قال: قلت يا أمه ! بالله ! اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه. فكشفت لي عن ثلاثة قبور: لا مشرفة، ولا لاطية مبطوحة ببطحاء العرصة".

[ ص: 379 ] وهذا فعل بعض الصحابة. ولكن حديث الباب الذي أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، يدل على أن التربيع أفضل؛ لأن في التسنيم بعض إشراف.

وقد بسط المسألة: شيخنا وبركتنا، العالم الرباني، في رسالة مستقلة سماها: "شرح الصدور، في تحريم رفع القبور".

وهي مترجمة بالفارسية في كتابنا: "هداية السائل، إلى أدلة المسائل".

فإن كنت ممن يريد صريح السنة في هذه المسألة، ويقصد الحق الواضح فيها، فراجعها.

ورفع القبور، هو من الإشراف الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسويته، فلا يباح منه إلا ما ورد الإذن به.

وأخرج أبو داود في "المراسيل"، عن صالح بن صالح: " قال: رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم شبرا، أو نحو شبر".

وأخرج أبو بكر الآجري، في صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، عن نعيم بن بسطام: قال: رأيت قبر النبي، في إمارة عمر بن عبد العزيز، فرأيته مرتفعا نحوا من أربعة أصابع".

وقد تقدم، أن هذا إنما هو فعل بعض الصحابة، فلا تقوم به الحجة.

[ ص: 380 ] وقد ثبت النهي عن أن يبنى على القبور، كما سيأتي في الكتاب قريبا.

فثبت أن رفع القبر حرام، لا مكروه كراهة تنزيه.

هكذا ينبغي أن يقال، في أمثال هذه المسائل.

وأما ما وقع من الناس، "لاسيما الملوك والأكابر": من رفع قبورهم، وجعل القباب عليها، فهو حرام بالأدلة الصحيحة الواردة في ذلك.

فعليك أن لا تغتر بما وقع منهم. فكم من سنة قد ماتت، وكم من بدعة قد حدثت.

التالي السابق


الخدمات العلمية