السنن الكبرى للنسائي

النسائي - أحمد بن شعيب النسائي

صفحة جزء
58 - قوله تعالى :

قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم

11174 - أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، حدثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله ، أن عبد الله بن عباس قال : أخبرني أبو سفيان بن حرب ، أنه كان بالشام في رجال من قريش ، قدموا تجارا في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش ، قال أبو سفيان : فوجدنا رسول قيصر ببعض الشام ، فانطلق بي وبأصحابي حتى قدمنا إيلياء ، فأدخلنا عليه ، فإذا هو جالس في مجلس ملكه ، وعليه التاج وحوله علماء الروم ، فقال لترجمانه : سلهم أيهم أقرب نسبا إلى هذا الرجل [ ص: 53 ] الذي يزعم أنه نبي ؟ قال أبو سفيان : أنا أقربهم إليه نسبا ، فقال : ما قرابة ما بينك وبينه ؟ فقلت : هو ابن عمي ، قال : وليس في الركب يومئذ رجل من بني عبد مناف غيري ، قال : فقال قيصر : أدنوه مني ، ثم أمر بأصحابي ، فجعلوا خلف ظهري ، عند كتفي ، ثم قال لترجمانه : قل لأصحابه : إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ، فإن كذب فكذبوه ، قال أبو سفيان : والله لولا الحياء يومئذ أن يأثر علي أصحابي الكذب ، لحدثته عنه حين سألني ، ولكن استحييت أن يأثروا علي الكذب ، فصدقته عنه ، ثم قال لترجمانه : قل له : كيف نسب هذا الرجل فيكم ؟ قلت : هو فينا ذو نسب ، قال : فقال : هل قال هذا القول منكم أحد قبله ؟ قلت : لا ، قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قلت : لا ، قال : فهل كان من آبائه من ملك ؟ قلت : لا ، قال : فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ قلت : بل ضعفاؤهم ، قال : فيزيدون أم ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون ، قال : فهل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قلت : لا ، قال : فهل يغدر ؟ قلت : لا ، ونحن منه الآن في مدة ، ونحن نخاف أن يغدر ، قال أبو سفيان : ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا أنتقصه بها ، أخاف أن تؤثر عني غيرها ، قال : فهل قاتلتموه ؟ وهل قاتلكم ؟ فقلت : نعم ، قال : فكيف كان حربكم وحربه ؟ قلت : كانت دولا وسجالا ، يدال علينا المرة ، وندال [ ص: 54 ] عليه الأخرى ، قال : فما كان يأمركم به ؟ قلت : يأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ، ونهانا عما كان يعبد آباؤنا ، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة .

فقال لترجمانه حين قلت ذلك : قل له : إني سألتك عن نسبه فيكم ، فزعمت أنه فيكم ذو نسب ، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها .

وسألتك : هل قال هذا القول أحد منكم قبله ؟ فزعمت أن لا ، فقلت : أن لو قال هذا القول أحد منكم قبله ، قلت : رجل يأتم بقول قيل قبله .

وسألتك : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت أن لا ، فقد علمت أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله .

وسألتك : هل كان من آبائه من ملك ؟ فزعمت أن لا ، فقلت : أن لو كان من آبائه ملك لقلت : رجل يطلب ملك آبائه .

وسألتك : أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟ فزعمت أن ضعفاءهم اتبعوه ، وهم أتباع الرسل .

وسألتك : هل يزيدون أو ينقصون ؟ فزعمت أنهم يزيدون ، وكذلك الإيمان حتى يتامن .

وسألتك : هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ فزعمت أن لا ، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلب لا يبغضه أحد .

وسألتك : هل يغدر ؟ فزعمت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر .

وسألتك : هل قاتلتموه وقاتلكم ؟ فزعمت أن قد فعل ، وأن حربكم وحربه تكون دولا ، يدال عليكم المرة ، وتدالون عليه الأخرى ، وكذلك [ ص: 55 ] الرسل تبتلى ، ويكون لها العاقبة .

وسألتك : بماذا أمركم ؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله وحده ، ولا تشركوا به شيئا ، وينهاكم عما كان يعبد آباؤكم ، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانات .

قال : وهذه صفة نبي قد كنت أعلم أنه خارج ، ولم أكن أظن أنه منكم ، وإن يكن ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ، فوالله لو أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقيه ، ولو كنت عنده غسلت عن قدميه .

قال أبو سفيان : ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به فقرئ ، فإذا فيه :

بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد بن عبد الله ورسوله ، إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، وإن توليت فإن عليك إثم اليريسيين و : يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون .

قال أبو سفيان : فلما قضى مقالته علت أصوات [ ص: 56 ] الروم حوله من عظماء الروم وكثر لغطهم فلا أدري ماذا قالوا ، وأمر بنا فأخرجنا ، قال أبو سفيان : فلما خرجت مع أصحابي ، وخلصت بهم قلت : لقد أمر أمر ابن أبيكبشة ، هذا ملك بني الأصفر يخافه ، قال أبو سفيان : فوالله ما زلت قليلا مستيقنا بأن أمره سيظهر ، حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره
.

التالي السابق


الخدمات العلمية