السنن الكبرى للنسائي

النسائي - أحمد بن شعيب النسائي

صفحة جزء
[ ص: 458 ] 77 - هاجر رضي الله عنها

8518 - أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أيوب ، وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة - يزيد أحدهما على الآخر - عن سعيد بن جبير ، قال ابن عباس : أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل ، اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ، ثم جاء بها إبراهيم وابنها إسماعيل وهي ترضع ، حتى وضعها عند البيت ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء فوضعها هنالك ، ووضع عندها جرابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، ثم قفى إبراهيم ، فاتبعته أم إسماعيل ، فقالت : يا إبراهيم ، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شيء ؟ فقالت له ذلك مرارا ، وجعل لا يلتفت إليها ، فقالت له : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم ، قالت : إذا لا يضيعنا ، ثم رجعت ، فانطلق إبراهيم ، استقبل بوجهه البيت ، ثم دعا بهؤلاء الدعوات ، ورفع يديه ، فقال : إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم إلى : لعلهم يشكرون ، فجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل ، وتشرب ذلك الماء ، حتى إذا نفد ما في ذلك [ ص: 459 ] السقاء عطشت ، وعطش ابنها وجاع ، وانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل يليها ، فقامت عليه ، واستقبلت الوادي ؛ هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا ، فهبطت من الصفا ، حتى إذا بلغت الوادي ، رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي المجهد ، ثم أتت المروة ، فقامت عليها ونظرت ؛ هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا . فعلت ذلك سبع مرات .

قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سعي الناس بينهما . فلما نزلت عن المروة سمعت صوتا ، فقالت : صه - تريد نفسها - ثم تسمعت فسمعت أيضا ، قالت : قد أسمعت إن كان عندك غوث ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم يبحث بعقبه أو بجناحه حتى ظهر الماء ، فجاءت تحوضه هكذا ، وتقول بيدها ، وجعلت - يعني - تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بقدر ما تغرف .

قال ابن عباس : قال النبي صلى الله عليه وسلم : يرحم الله أم إسماعيل ، لو تركت زمزم . أو قال : لو لم تغترف من الماء ، لكانت عينا معينا . فشربت وأرضعت ولدها ، فقال الملك : لا تخافي الضيعة ؛ فإن هاهنا بيت الله ، يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله ، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية ، تأتيه السيول عن [ ص: 460 ] يمينه وشماله ، فكانوا كذلك حتى مرت رفقة ، أو قال : بيت من جرهم مقبلين ، فنزلوا في أسفل مكة ، فرأوا طائرا عارضا ، فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على ماء ، ولعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء ، فأرسلوا فإذا هم بالماء ، فرجعوا فأخبروهم بالماء ، وأم إسماعيل عند الماء ، فقالوا : أتأذنين لنا أن ننزل عندك ؟ قالت : نعم ، ولا حق لكم في الماء .

قال ابن عباس : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس ، فنزلوا ، وأرسلوا إلى أهاليهم ، فنزلوا معهم ، وشب الغلام ، وتعلم العربية منهم ، وأعجبهم حين شب ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم ، وماتت أم إسماعيل
.

التالي السابق


الخدمات العلمية