صفحة جزء
قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم [الأنبياء : 69] .

[69] فلما جمع نمرود قومه لإحراق إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه ، حبسوه في بيت بكوثا شهرا ، وبنوا بنيانا كالحظيرة ، قيل : طوله في السماء ثلاثون ذراعا ، وعرضه عشرون ذراعا ، وملؤوه من الحطب ، وأوقدوا في نواحيه النيران ، فصارت نارا واحدة شديدة ، حتى إن الطير لتحترق إذا مرت بها .

وروي أنهم لم يعلموا كيف يلقونه فيها ، فجاء إبليس وعلمهم عمل المنجنيق ، فعملوه ، وعمدوا إلى إبراهيم عليه السلام ، فغلوه ووضعوه في كفة المنجنيق ، فثم قال إبراهيم : "لا إله إلا أنت سبحانك ، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك ، فاستغاثت الملائكة قائلة : يا رب! هذا خليلك قد نزل به من عدوك ما أنت أعلم به ، فقال تعالى : إن خليلي ليس لي خليل سواه ، وأنا إلهه ، وليس له إله غيري ، فإن استغاث بكم ، فانصروه ، وإلا ، فخلوا بيني وبينه ، فأتاه خازن المياه فقال له : إن أردت أخمدت النار ، وأتاه خازن الرياح فقال له : إن شئت طيرت النار في الهواء ، فقال إبراهيم : [ ص: 371 ]

لا حاجة لي إليكم ، حسبي الله ونعم الوكيل ، وتعرض له جبريل وهو يقذف به في لجة الهواء إلى النار ، وقال له : هل لك من حاجة ؟ فقال : أما إليك فلا ، وأما إلى الله ، فبلى ، قال جبريل : فاسأل ربك ، فقال إبراهيم : حسبي من سؤالي علمه بحالي ، فلم يستنصر بغير الله ، ولا جنحت همته لما سوى الله ، بل استسلم لحكم الله مكتفيا بتدبير الله -عز وجل- عن تدبير نفسه ، وكان يومئذ ابن ست عشرة سنة ، ولما وقع في النار ، لم يحترق سوى وثاقه" ، فذلك قوله تعالى : قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم أي : ابردي ليسلم ، فذهبت حرارتها وإحراقها ، وبقيت إضاءتها وإشراقها .

قال ابن عباس : "لو لم يقل : بردا وسلاما ، [لمات إبراهيم من بردها ، ولو لم يقل : على إبراهيم ، لبقيت بردا وسلاما] أبدا" .

وروي أنه لم يبق في ذلك الوقت نار بمشارق الأرض ومغاربها إلا خمدت ، ظانة أنها المعنية بالخطاب ، قال كعب الأحبار : "جعل كل شيء يطفئ عنه النار إلا الوزغ ؛ فإنه كان ينفخ في النار" فلذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتلها ، وسماها فويسقا .

وعن علي رضي الله عنه : "أن البغال كانت تتناسل ، وكانت أسرع الدواب في نقل الحطب لنار إبراهيم ، فدعا عليها ، فقطع الله نسلها ، ولما [ ص: 372 ] سقط في النار ، تلقته الملائكة ، فأجلسوه على الأرض ، فإذا بعين ماء عذب وروضة وورد ونرجس ، فأقام بها سبعة أيام ، وجاءه ملك بقميص من حرير الجنة ، وطنفسة ، فألبسه القميص ، وأجلسه على الطنفسة ، وجعل يحدثه ويقول له : إن ربك يقول لك : أما علمت أن النار لا تضر أحبابي" .

وروي أنه قال : "ما كنت قط أنعم مني من الأيام التي كنت فيها في النار" .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية