صفحة جزء
إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم .

[25] إن الذين كفروا ويصدون عن تقديره ، وهم يصدون سبيل الله وبهذا حسن عطف المستقبل على الماضي ؛ لأن الصد بمعنى دوام الصفة لهم ، وهذه الآية نزلت عام الحديبية حين صد النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المسجد الحرام .

والمسجد الحرام أي : ويصدون عن المسجد الحرام .

الذي جعلناه للناس قبلة لصلاتهم ، ومنسكا ومتعبدا ، وقال ابن عباس وغيره : المراد منه جميع الحرم . [ ص: 415 ]

سواء العاكف فيه المقيم والباد أي : الآتي إليه من البادية . قرأ حفص عن عاصم : (سواء ) نصب بإيقاع الجعل عليه ؛ لأن الجعل يتعدى إلى مفعولين ، وقرأ الباقون : بالرفع على الابتداء ، وما بعده خبره ، وتمام الكلام عند قوله : (للناس ) ، وأثبت أبو عمرو ، وأبو جعفر ، وورش : الياء في (البادي ) وصلا ، وأثبتها ابن كثير ويعقوب وصلا ووقفا ، وحذفها الباقون في الحالين ، وهي في الإمام بغير ياء ، المعنى : المقيم فيه ، والوارد إليه سواء ، لا يخص بعضا دون بعض .

وأجمع الناس على الاستواء في نفس المسجد الحرام ، واختلف في مكة ، فذهب عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، ومجاهد ، وجماعة إلى أن الأمر كذلك في دور مكة ، وأن القادم له النزول حيث وجد فارغا ، وعلى رب المنزل أن يؤويه شاء أو أبى ، وقال ذلك سفيان الثوري وغيره ، وكذلك كان الأمر في الصدر الأول .

وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- قبضوا وما تدعى دور مكة إلا السوائب ، من احتاج سكن ، ومن استغنى أسكن ، وكانت دورهم بغير أبواب حتى كثرت السرقة ، فاتخذ رجل بابا ، فأنكر عليه عمر [ ص: 416 ] وقال : أتغلق بابا في وجه حج بيت الله ، فقال : إنما أردت حفظ متاعهم من السرقة ، فتركه ، فاتخذ الناس الأبواب .

قال ابن عطية : وقال جمهور من الأمة ، منهم الإمام مالك : ليست الدور كالمسجد ، ولأهلها المتاع بها ، والاستبداد ، وعلى هذا العمل اليوم ، وهذا الخلاف متركب على الاختلاف في مكة ، هل هي عنوة أو صلح ؟ فمن رآها صلحا ، فإن الاستواء عنده في المنازل بعيد ، ومن رآها عنوة ، أمكنه أن يقول : الاستواء فيها قرره الأئمة الذين لم يقطعوها أحدا ، وإنما سكنى من سكن من قبل نفسه .

واختلف الأئمة في فتحها ، فذهب مالك وأصحابه : إلى أنها فتحت عنوة بالسيف ، وهو الصحيح من مذهب الإمام أحمد ، وقال أبو حنيفة والشافعي : فتحت صلحا .

واختلفوا في جواز بيع دور مكة وإجارتها ، فقال أحمد : لا يجوز بيع رباع مكة والحرم ، وهي المنازل ، ولا إجارتها ؛ لأنها فتحت عنوة ، وقال مالك : يجوز إجارتها وبيعها ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - من بمكة على أهلها ، فلم تقسم ، ولا سبي أهلها ؛ لما عظم الله من حرمتها ، ولكن الكراهة عنده في كراء دور مكة قوية ؛ طلبا للمواساة بها ، وروي عنه أيضا كراهة كرائها في أيام الموسم خاصة ، وقال أبو حنيفة : لا بأس ببيع بناء بيوت مكة ، ويكره بيع أرضها ، وكذا الإجارة ، وقال صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن : [ ص: 417 ]

لا بأس بالبيع في الأرض والبناء ، وأما مذهب الشافعي ، فلم يختلف في جواز البيع والإجارة ؛ لأنها فتحت عنده صلحا .

ومن يرد أي : يفعل فيه أي : في المسجد بإلحاد بظلم هو الميل عن الحق ، والباء زائدة ، معناه : ومن يرد فيه إلحادا بظلم ، والمراد بالإلحاد هنا : الشرك وجميع المعاصي نذقه من عذاب أليم جواب لـ (من ) .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية