صفحة جزء
[ ص: 531 ] وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم .

[32] وأنكحوا أي : زوجوا الأيامى منكم جمع أيم ، وهو من لا زوج له من الرجال والنساء ، بكرا كان أو ثيبا .

والصالحين أي : الخيرين من عبادكم وإمائكم اتفق الأئمة على أن النكاح سنة ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "من أحب فطرتي ، فليستن بسنتي ، ومن سنتي النكاح" ، فإن كان تائقا يخاف العنت ، وهو الزنا ، وجب عليه عند أبي حنيفة وأحمد ، وقال مالك والشافعي : وهو مستحب لمحتاج إليه يجد أهبته ، ومن لم تتق نفسه إليه ، فقال أبو حنيفة وأحمد : النكاح أفضل له من نفل العبادة ، وقال مالك والشافعي : بعكسه ، وعند الشافعي : إن لم يتعبد ، فالنكاح أفضل .

واختلفوا في تزويج المرأة نفسها ، فأجازه أبو حنيفة ؛ لقوله تعالى : فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن [البقرة : 232] نهى الرجال عن منع النساء عن النكاح ، فدل على أنهن يملكن النكاح ، وقوله تعالى : حتى تنكح زوجا غيره [البقرة : 230] ، أضاف النكاح إلى المرأة أيضا ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : "الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر بنفسها ، وإذنها صماتها" ، [ ص: 532 ] والاستئمار طلب الأمر من قبلها ، ومنعه الثلاثة وقالوا : إنما يزوجها وليها ؛ بدليل هذه الآية ؛ لأن الله خاطب الأولياء به ؛ كما أن تزويج العبيد والإماء إلى السادات ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل ، ثلاث مرات" .

واختلفوا هل يجبر السيد على تزويج رقيقه إذا طلبوا ذلك ؟ فقال أحمد : يلزمه ذلك إلا أمة يستمتع بها ، فإن امتنع السيد من الواجب عليه ، فطلب العبد البيع ، لزمه بيعه ، وخالفه الثلاثة .

إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله أي : لا يمنعن فقر الخاطب أو المخطوبة من المناكحة ؛ فإن في فضل الله غنية عن المال .

والله واسع ذو سعة لا تنفد نعمته عليم يبسط الرزق ويقدر بحكمته . قرأ رويس عن يعقوب بخلاف عنه : (يغنهم الله ) بضم الهاء والميم ، والباقون : بكسرهما .

واختلف الأئمة في الزوج إذا أعسر بالصداق والنفقة والكسوة والمسكن ، هل تملك المرأة فسخ نكاحها ؟ فقال أبو حنيفة : لا تملك الفسخ بشيء من ذلك ، وتؤمر بالاستدانة للنفقة لتحيل عليه ، فإذا فرضها [ ص: 533 ] القاضي ، وأمرها بالاستدانة ، صارت دينا عليه ، فتتمكن من الإحالة عليه ، والرجوع إلى تركته لو مات ، وقال مالك : لها الفسخ بإعساره بالصداق قبل الدخول ، فيؤمر بطلاقها ، فإن امتنع ، فرق الحاكم بينهما ، ويتشطر صداقها عليه ، ويبقى دينا في ذمته تتبعه به إذا أيسر ، ولم يفرق بإعساره به بعد الدخول ، وإن أعسر بنفقتها ، أمر بفراقها ، فإن امتنع ، فرق الحاكم بينهما بطلقة رجعية ، وله الرجعة إن أيسر في العدة ، وقال الشافعي : إذا أعسر بالنفقة ، فلها فسخ النكاح ، وكذا بالكسوة والمسكن ، ويمهل ثلاثة أيام ، وتفسخ صبيحة الرابع ، ولها الفسخ بالإعسار بالمهر قبل وطء لا بعده ويسقط به المهر ، وقال أحمد : إن أعسر بنفقة أو ببعضها ، أو بكسوة أو ببعضها ، أو بسكنى ، فلها الفسخ ، وكذا إن أعسر بمهر حال قبل الدخول أو بعده ، ما لم تكن عالمة بعسرته ، فإن فسخت قبل الدخول ، سقط المهر ، وبعده ، يستقر في ذمته ، واتفق الشافعي وأحمد على أن الفسخ لا يصح إلا بحكم حاكم ، فيفسخ بطلبها ، أو تفسخ بأمره .

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية