صفحة جزء
يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن [ ص: 375 ] أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما .

[50] يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن أي: مهورهن، وتقدم قريبا مذهب نافع في الهمزتين من (النبيء إنا) وما ملكت يمينك من الإماء.

مما أفاء الله عليك أي: غنمك من الكفار; كصفية وجويرية، وقد كانت مارية مما ملكت يمينه، فولدت له إبراهيم وبنات عمك وبنات عماتك نساء قريش.

وبنات خالك وبنات خالاتك نساء بني زهرة اللاتي هاجرن معك إلى المدينة، فمن لم تهاجر معه منهن، لم يجز له نكاحها.

عن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: خطبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة، فأنزل الله هذه الآية، فلم أحل له; لأني لم أكن من المهاجرات، وكنت من الطلقاء ، ثم نسخ شرط الهجرة بقوله: وامرأة مؤمنة [فلا يحل له غير المؤمنة، المعنى: أبحنا لك جميع المذكورات، وأبحنا لك امرأة مؤمنة] إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها بطلب نكاحها من غير صداق. [ ص: 376 ]

خالصة لك من دون المؤمنين المعنى: إذا وهبتك مؤمنة نفسها، حلت لك خاصة بلفظ الهبة بلا صداق، كالزيادة على الأربع، وكان من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوج بلا ولي ولا شهود، وإذا خطب امرأة، يحرم على غيره خطبتها حتى يتركها ، والواهبة نفسها هي أم شريك بنت جابر من بني أسد، وقيل: ميمونة بنت الحارث ، وقيل: خولة بنت حكيم من بني سليم، وقيل: زينب بنت خزيمة الأنصارية . قرأ نافع (للنبيء إن) بالهمز والمد في (النبيء)، وتسهيل الهمز الثاني بين بين، وقرأ: (أراد النبيء أن) بالهمز والمد في (النبيء)، وإبدال الهمز الثاني واوا محضة مفتوحة، وخالفه قالون في الحرف الأول، وهو (للنبي إن)، فقرأ بتشديد الياء، وتحقيق الهمز بعدها; كبقية القراء .

واختلف الأئمة في انعقاد النكاح بلفظ الهبة في حق الأمة، فقال أبو حنيفة : ينعقد بلفظ الهبة والصدقة والتمليك والبيع والشراء، وعنه في لفظ الإجارة خلاف، وقال مالك : ينعقد بلفظ يدل على التأبيد مدة الحياة; [ ص: 377 ] كأنكحت، وزوجت، وملكت، وبعت، وكذا وهبت بتسمية صداق، وقال الشافعي وأحمد : لا ينعقد إلا بلفظ النكاح والتزويج.

واختلفوا في اشتراط الشهادة لصحة النكاح، فقال مالك : يصح بلا إشهاد بشرط الإعلان، وترك التواصي بالكتمان، وقال الثلاثة: تشترط، فعند أبي حنيفة : ينعقد بحضور رجلين، ورجل وامرأتين، ولا تشترط العدالة، وعند الشافعي وأحمد : تشترط الذكورة، والشافعي يشترط العدالة، والصحيح عنه: أنه ينعقد بمستوري العدالة، فلو بان فسق الشاهد عند العقد، فباطل، وأحمد يشترط العدالة في شاهديه ظاهرا فقط، فلو بانا بعده فاسقين، فالعقد صحيح.

قد علمنا ما فرضنا عليهم أي: أوجبنا على المؤمنين.

في أزواجهم من الأحكام ألا يتزوجوا أكثر من أربع.

وما ملكت أيمانهم من الإماء مباح لهم فوق أربع زوجات.

لكيلا يكون عليك حرج ضيق، وهذا يرجع إلى أول الآية; أي: أحللنا لك أزواجك وما ملكت يمينك والموهوبة لئلا يضيق عليك.

وكان الله غفورا لما يعسر التحرز عنه.

رحيما بالتوسعة في مظان الحرج.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية