صفحة جزء
[ ص: 26 ] فصل في ذكر معنى المصحف والكتاب والقرآن والسور والآيات والكلمة والحرف

* أما معنى المصحف]: فهو مفعل، من أصحف; أي: جمع فيه الصحف، واحدتها صحيفة; كمدينة ومدن. وروي أن أبا بكر -رضي الله عنه- لما أمر بجمع القرآن، وكتبوه، استشار الناس في اسمه، فسماه مصحفا، وذلك لمعنيين:

أحدهما: أن القرآن كان في صحف متفرقة، فلما جمعوه في موضع واحد، سموه مصحفا، أي: جمع فيه الصحف.

والآخر: أنه جمع فيه علم الصحف الأولى، وأنه يعدلها، وهي: التوراة والإنجيل والزبور.

ومعنى الصحيفة: القطعة من جلد أو رق، وجمعها صحف، فلما ضم بعضها إلى بعض، سمي مصحفا.

* وأما الكتاب: فهو ضم الحروف الدالة على معنى بعضها إلى بعض، لأنه مصدر كتب، ومعناه: جمع، ومنه قوله -عز وجل-: أولئك كتب في قلوبهم الإيمان [المجادلة: 22]; أي: جمع، حتى آمنوا بجميع ما يجب عليهم. [ ص: 27 ]

وقد سمى الله تعالى القرآن كتابا، فقال تعالى: ذلك الكتاب لا ريب فيه [البقرة: 2].

* وأما القرآن: فهو اسم الكتاب الذي أنزله الله تعالى على محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - خاصة، لم يسم به شيء غيره من الكتب; كما أن التوراة اسم الكتاب المنزل على موسى، والإنجيل اسم الكتاب المنزل على عيسى، والزبور اسم الكتاب المنزل على داود -صلوات الله عليهم أجمعين-.

وهو: منزل غير مخلوق بإجماع أهل السنة، واتفاق الأئمة، معجز، متعبد بتلاوته، مكتوب في مصاحفنا، محفوظ في صدورنا، مقروء بألسنتنا.

وإنما سمي قرآنا; لأنه: جمع السور وضمها، قال تعالى: إن علينا جمعه وقرآنه [القيامة: 17] أي: تأليفه، وضم بعضه إلى بعض فإذا قرأناه فاتبع قرآنه [القيامة: 18] أي: إذا ألفناه وضممناه، فخذه واعمل به.

وسمي أيضا: الفرقان; لأنه: فرق بين الحق والباطل، والمؤمن والكافر، فرقا وفرقانا.

وسمي: الذكر; لأنه: ذكر الناس آخرتهم وإلههم، وما كانوا في غفلة عنه.

* وأما السورة من القرآن: فهي اسم لآي جمعت، وقرنت بعضها إلى بعض; حتى تمت، وكملت، وبلغت في الطول المقدار الذي أراد الله تعالى، ثم فصل بينها وبين سورة أخرى ببسم الله الرحمن الرحيم، ولا تكون السورة إلا معروف المبتدأ معروف المنتهى.

* وأما الآية: ففيها خلاف، فقيل: [ ص: 28 ]

معنى الآية من القرآن: كلام متصل إلى انقطاعه، وانقطاع معناه فصلا فصلا.

وقيل: معنى الآية: العلامة; كقوله: قال رب اجعل لي آية [مريم: 10] أي: علامة.

وإنما سميت الآية آية; لأنها: علامة تدل على نفسها بانفصالها عن الآية التي تقدمتها، أو تأخرت عنها، فكل آية كأنها علامة.

* وأما الكلمة: فهي الواحدة من جملة الكلام، وجمعها كلم، وتجمع أيضا على: كلمات، فالكلام: اسم جنس يقع على القليل والكثير من جنسه.

* وأما الحرف: فهو الواحد من حروف المعجم، سمي: حرفا; لقلته ودقته، ولذلك قيل: حرف الشيء لطرفه; لأنه آخره، والقليل منه، والحرف أيضا: القراءة بكمالها، والحرف أيضا: اللغة، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" أي: على سبع لغات للعرب متفرقة في القرآن مختلفة الألفاظ متفقة المعاني.

وقولهم لمكتسب الرجل وطعمته: الحرفة، كأنها الجهة التي انحرف إليها عما سواها.

والتحريف في الكلام: تغييره عن معناه، كأنه ميل به إلى غيره، وانحرف عنه، كما قال الله تعالى في صفة اليهود: يحرفون الكلم عن مواضعه [المائدة: 13]; أي: يغيرون معاني التوراة بالتمويهات، والله أعلم.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية