صفحة جزء
[ ص: 234 ] باب

في الآيات الواردة في ذكر المشركين والمشركات من أهل الكتاب ، وغيرهم ، وذم الشرك بالله تعالى وبيان أنواع شركهم

قال تعالى : ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة [البقرة : 96] هم مشركو العرب ، وقيل : المجوس .

وعموم اللفظ هو المعتبر لا خصوص السبب .

وما هو بمزحزحه من العذاب ؛ أي : ما التعمير بمبعده عن النار ، أن يعمر : طول عمره ، والله بصير بما يعملون : لا يخفى عليه خافية من أحوالهم .

وفي الآية : دليل على أن حب طول العمر من عادة الكفار ، والمشركين .

وأما المؤمنون ، فيحبون لقاء الله تعالى كما في الحديث: «من أحب لقاء الله ، أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله ، كره الله لقاءه » .

وقال تعالى : ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم [البقرة : 105] .

فيه بيان شدة عداوة الكفار للمسلمين ؛ حيث لا يودون إنزال الخير عليهم من الله سبحانه : أي خير كان ؛ كما يفيده وقوع النكرة في سياق النفي ، وتأكيد العموم بدخول : «من » المزيدة عليها ، وإن كان بعض أنواع الخير أعظم من بعض ، فذلك لا يوجب التخصيص . [ ص: 235 ]

والله يختص برحمته من يشاء ؛ أي رحمة كانت من غير تعيين ؛ كما يفيد ذلك الإضافة إلى ضميره تعالى .

والله ذو الفضل العظيم ، وكل خير ناله عباده في دينهم ودنياهم ، فإنه منه ابتداء ؛ تفضلا عليهم من غير استحقاق أحد منهم ، بل له الفضل والمنة على خلقه .

وقال تعالى : ولا تنكحوا المشركات [البقرة : 221] ؛ أي : لا تتزوجوهن ، والمراد بالنكاح : العقد ، لا الوطء .

حتى يؤمن فيه النهي عن نكاح المشركات .

قيل : المراد بها : الوثنيات ، وقيل : إنها تعم الكتابيات .

ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم من جهة كونها ذات جمال ، أو مال ، أو نسب ، أو شرف .

ولا تنكحوا المشركين ؛ أي : لا تزوجوا الكفار بالمؤمنات ، خطاب للأولياء .

حتى يؤمنوا . قال القرطبي : أجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه ؛ لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام .

ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك إشارة إلى المشركين والمشركات .

يدعون إلى النار ؛ أي : إلى الأعمال الموجبة لها .

فكان في مصاهرتهم ، ومعاشرتهم ، ومصاحبتهم من الخطر العظيم ما لا يجوز للمؤمنين أن يتعرضوا له ، ويدخلوا فيه .

والله يدعو إلى الجنة والمغفرة ؛ أي : الأعمال الموجبة للجنة ، وأعظمها إخلاص التوحيد لله تعالى ، كما أن أعظم الأعمال الموجبة للنار الشرك بالله سبحانه . [ ص: 236 ]

وقال تعالى : ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب [آل عمران : 79] الناطق بالحق .

والحكم يعني : الفهم ، والعلم ، والنبوة .

ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ؛ أي : هذه المقالة ، وهو متصف بتلك الصفة .

وفيه بيان من الله لعباده أن النصارى افتروا على عيسى - عليه السلام - ما لا يصح عنه ، ولا ينبغي أن يقوله ، ولكن يقول : كونوا ربانيين .

قال المبرد : هم أرباب العلم ، واحدهم : رباني ؛ أي : العالم بدين الرب ، القوي ، المتمسك بطاعة الله .

بما كنتم تعلمون الكتاب التشديد يدل على العلم والتعليم .

وبما كنتم تدرسون والدراسة : مذاكرة العلم .

دلت الآية على أن العلم ، والتعليم ، والدراسة توجب كون الإنسان ربانيا .

فمن اشتغل بها لا لهذا المقصود ، فقد ضاع علمه ، وخاب سعيه .

ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون [آل عمران : 80] . أي : لا يقول هذا ، ولا يفعله .

وقد استدل به من قال: إن سبب نزول الآية استئذان من استأذن النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين في أن يسجدوا له .

وهذا يرشد إلى أن السجود لغير الله - نبيا كان ، أو ملكا - كفر بعد الإسلام .

وقال تعالى : سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب [آل عمران : 151] أي : الخوف ، والفزع .

بما أشركوا بالله ؛ أي : بسبب إشراكهم به تعالى ما لم ينزل به أي : بجعله شريكا له سلطانا حجة ، وبيانا ، وبرهانا . [ ص: 237 ]

سميت «الحجة » سلطانا ؛ لقوتها على دفع الباطل ، أو لوضوحها ، وإنارتها أو لحدتها ، ونفوذها .

والنفي يتوجه إلى القيد ، والمقيد ؛ أي : لا حجة ، ولا إنزال .

والمعنى : إن الإشراك بالله لم يثبت في شيء من الملل .

ومأواهم ، أي : سكنهم ، النار بيان لأحوالهم في الآخرة بعد بيان أحوالهم في الدنيا .

وبئس مثوى الظالمين الذين يستقرون فيه .

وفي جعلها مثواهم بعد جعلها مأواهم رمز إلى خلودهم فيها ؛ فإن المثوى مكان الإقامة المنبئة عن المكث .

والمأوى : المكان الذي يأوي إليه الإنسان .

وقدم المأوى على المثوى ؛ لأنه على الترتيب الوجودي : يأوي ، ثم يثوي .

وفي الآية دليل على أن عاقبة الشرك الخلود في النار .

التالي السابق


الخدمات العلمية