صفحة جزء
وقال تعالى : إن يدعون من دونه إلا إناثا [النساء : 117] ؛ أي : أصناما لها أسماء مؤنثة ؛ كاللات ، والعزى ، ومناة . قاله أبي بن كعب .

وقيل : المراد بالإناث : الأموات التي لا روح لها ؛ كالخشبة ، والحجر . قاله ابن عباس .

وقيل : المراد : الملائكة ؛ لقولهم : هم بنات الله .

قلت : ولا مانع من الحمل على الجميع ، والكلام خارج مخرج التوبيخ للمشركين ، والإزراء عليهم ، والتضعيف لعقولهم ؛ لكونهم عبدوا من دون الله نوعا ضعيفا .

قال الحسن : كان لكل حي من أحياء العرب صنم يعبدونه ، ويسمونه : أنثى بني فلان ، فأنزل الله هذه الآية .

وإن يدعون إلا شيطانا مريدا ، وهو إبليس لعنه الله ؛ لأنهم إذا أطاعوه فيما سول لهم ، فقد عبدوه ، وتقدم أن الدعاء هو العبادة .

قال ابن عباس : لكل صنم شيطان يدخل في جوفه ، ويتراءى للسدنة ، والكهنة ، ويكلمهم .

وقال تعالى : أإنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى [الأنعام : 19] يعني : الأصنام التي كانوا يعبدونها ، وما في معنى ذلك: [ ص: 242 ]

قل لا أشهد ؛ أي : بما تشهدون به ، بل أجحد ذلك، وأنكره .

وذلك لكون هذه الشهادة باطلة ممتنعة .

ومثله : فإن شهدوا فلا تشهد معهم [الأنعام : 150] .

قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون [الأنعام : 19] ؛ أي : من إشراككم بالله تعالى .

وقال تعالى : ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم [الأنعام : 22] الاستفهام للتقريع ، والتوبيخ ، للمشركين .

وأضاف الشركاء إليهم ؛ لأنها لم تكن شركاء الله في الحقيقة ، بل لما سموها شركاء ، أضيفت إليهم ، وهي ما كانوا يعبدونه من دون الله ، أو مع الله .

الذين كنتم تزعمون أنهم شركاء .

ووجه التوبيخ : أن معبوداتهم غابت عنهم في تلك الحال ، أو كانت حاضرة ، ولكن لا ينتفعون بها بوجه من الوجوه ، فكان وجودها كعدمها .

ثم لم تكن فتنتهم [الأنعام : 23] ؛ أي : معذرتهم . قاله ابن عباس ، أو : جوابهم ، وسماه فتنة ؛ لأنه كذب ، أو : حجتهم ، والفتنة : التجربة .

إلا أن قالوا يعني : المنافقين ، والمشركين قالوا -وهم في النار - : هلم فلنكذب ، فلعله أن ينفعنا والله ربنا ما كنا مشركين [الأنعام : 23] .

انتفوا من الشرك ، وحلفوا على نفيه ، وجاءوا بالكذب في تلك الدار أيضا .

وقال تعالى في قصة إبراهيم - عليه السلام - في رؤيته الكواكب : فلما أفلت ؛ أي : غابت الشمس ، وقويت عليهم الحجة ، ولم يرجعوا .

قال يا قوم إني بريء مما تشركون ؛ أي : من الأشياء التي تجعلونها شركاء لله ، وتعبدونها من الأصنام ، والأجرام المحدثة المحتاجة إلى محدث .

قال بهذا لما ظهر له أن هذه الأشياء مخلوقة لا تنفع ، ولا تضر ، مستدلا على ذلك بأفولها الذي هو دليل حدوثها . [ ص: 243 ]

إني وجهت وجهي [الأنعام : 79] ؛ أي : قصدت بعبادتي ، وتوحيدي الله عز وجل - .

للذي فطر السماوات والأرض ؛ أي : خلقهما ، وأبدعهما .

حنيفا ؛ أي : مائلا إلى الدين الحق .

وما أنا من المشركين وبه تبرأ من الشرك الذي كان عليه قومه .

وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله [الأنعام : 80] ؛ أي : في كونه لا شريك له ، ولا ند ، وضد .

وقد هدانا إلى توحيده ، وأنتم تريدون أن أكون مثلكم في الضلالة ، والجهالة ، وعدم الهداية .

ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي ؛ بأن يلحقني شيئا من الضرر بذنب عملته ، فالأمر إليه ، وذلك منه ، لا من معبوداتكم الباطلة التي لا تنفع ، ولا تضر .

والمعنى على نفي حصول الضرر منهم على كل حال ، وإثبات الضرر والنفع لله سبحانه .

وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون أن هذه الأصنام جمادات لا تضر ، ولا تنفع ، وأن النافع الضار هو الذي خلق السماوات والأرض ، وما بينهما .

وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله [الأنعام : 81] .

رد عليهم هذا الكلام الإلزامي الذي لا يجدون عنه مخلصا ، ولا متحولا .

والاستفهام للإنكار عليهم ، والتقريع لهم ما لم ينزل به عليكم سلطانا ؛ أي : حجة ، وبرهانا .

فأي الفريقين أحق بالأمن من العذاب ، وعدم الخوف يوم القيامة : الموحد ، أم المشرك ؟ [ ص: 244 ] إن كنتم تعلمون بحقيقة الحال ، وتعرفون البراهين الصحيحة ، وتميزونها عن الشبه الباطلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية