صفحة جزء
وقال سبحانه : وقاتلوا المشركين كافة [التوبة : 36] ، فيه أن عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال ، والأزمنة ، والبقاع .

كما يقاتلونكم كافة فيه دليل على وجوب قتال المشركين ، وأنه فرض على الأعيان إن لم يقم به بعضهم .

واعلموا أن الله مع المتقين : أي : ينصرهم ، ويثبتهم ، ومن كان الله معه ، فهو الغالب .

وقال تعالى : ويوم نحشرهم جميعا [يونس : 28] الحشر : الجمع من كل جانب وناحية إلى موضع واحد . [ ص: 256 ]

والمعنى : أنذرهم يوم نحشرهم لموقف الحساب .

ثم نقول للذين أشركوا تقريعا لهم على رؤوس الأشهاد ، وتوبيخا لهم مع حضور من يشاركهم في العبادة ، وحضور معبوداتهم .

مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا ؛ أي : فرقنا ، وقطعنا ما كان بينهم من التواصل في الدنيا ، وذلك حين يتبرأ كل معبود ممن عبده .

وقال شركاؤهم الذين عبدوهم ، وجعلوهم شركاء الله سبحانه : ما كنتم إيانا تعبدون وفي الحقيقة ، ونفس الأمر ، وإنما عبدتم هواكم ، وضلالكم وشياطينكم الذين أغووكم ؛ لأنها الآمرة لكم بالإشراك .

على حد قوله : قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم [سبأ : 41] الآية .

وهذا الجحد من الشركاء -وإن كان مخالفا - قد وقع من المشركين من عبادتهم معناه : إنكار عبادتهم إياهم عن أمرهم لهم بالعبادة .

فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين [يونس : 29] . القائل لهذا الكلام هم المعبودون ، قالوا لمن عبدهم من المشركين .

والمراد بالغفلة هنا : عدم الرضاء بما فعله المشركون من العبادة لهم ، أو عدم علمهم بها ، أو كل من الأمرين .

وفي هذا دليل على أن هؤلاء المعبودين غير الشياطين ؛ لأنهم يرضون بما فعل المشركون من عبادتهم .

وقال تعالى : قل [يونس : 31] للمشركين احتجاجا لحقيقة التوحيد ، وبطلان ما هم عليه من الشرك .

من يرزقكم من السماء بالمطر والأرض بالنبات ، والمعادن ؛ فإن الأرزاق تحصل بأسباب سماوية ، ومواد أرضية .

أمن يملك السمع والأبصار خصهما ؛ لما فيهما من الصنعة العجيبة ، [ ص: 257 ] والخلقة الغريبة حتى ينتفعوا بهما هذا الانتفاع العظيم ، ويحصلون بهما من الفوائد ما لا يدخل تحت حصر الحاصرين .

ومن يخرج الحي من الميت ؛ أي : الإنسان من النطفة ، والطير من البيضة ، والنبات من الحبة ، أو المؤمن من الكافر .

والأول أقرب إلى الحقيقة .

ويخرج الميت من الحي ؛ أي : النطفة من الإنسان ، أو الكافر من صاحب الإيمان ، أو البيضة من الطائر .

ومن يدبر الأمر بين الخلائق ؛ أي : يقدره ، ويقضيه .

فسيقولون الله ؛ أي : سيكون قولهم في جواب هذه الاستفهامات الخمس : إن الفاعل لهذه الأمور هو الله سبحانه ، إن أنصفوا ، وعملوا على ما يوجبه الفكر الصحيح ، والعقل السليم .

فقل أفلا تتقون ، وتفعلون ما يوجبه هذا العلم من تقوى الله الذي يفعل هذه الأفعال ، وتعبدون هذه الأموات ، والأصنام التي لا تقدر على شيء من هذه الأمور ، بل ولا تعلم به ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية