صفحة جزء
وجملة هذا الباب : أن طاعة الأبوين لا تراعى في ركوب كبيرة ، ولا ترك فريضة على الأعيان ، وتلزم طاعتهما في المباحات .

وقال تعالى : ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات [الأحزاب : 73]

فيه تسجيل لعذاب أهل النفاق ، والشرك ، وقبول لتوبة أهل الإيمان .

وهذا يرشدك إلى ذم الشرك ، وثناء التوحيد .

وقال تعالى : قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله [فاطر : 40] ، وهم الأصنام ، وغيرها .

أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينت منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا .

وذلك قولهم : إن هذه الآلهة تنفعهم ، وتقربهم إلى الله ، وتشفع لهم عنده ، وقيل غير ذلك.

وقال -سبحانه وتعالى - : ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك [الزمر : 65] من الرسل الكرام لئن أشركت يا محمد صلى الله عليه وسلم فرضا : ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين .

قال مقاتل : أي : أوحي إليك ، وإلى الأنبياء قبلك بالتوحيد ، والتوحيد مقدر ، ثم قال: لئن أشركت ، وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة .

وفي الآية من التخويف ما لا يقادر قدره ، ولا يبلغ مداه ؛ لأن هذا الخطاب إذا كان لسيد المرسلين ، وأفضل النبيين ، ومن أرسله الله رحمة للعالمين ، فكيف بمن عداه من الناس أجمعين إذا وقع منهم الإشراك بالله رب العالمين ؟

قيل : هذا خاص بالأنبياء -عليهم السلام - ؛ لأن الشرك منهم أعظم ذنبا من الشرك من غيرهم ، والأول أولى . [ ص: 264 ]

قال في «فتح البيان » : هذه الآية مقيدة بالموت على الشرك كما في الآية الأخرى : ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم [البقرة : 217] .

بل الله فاعبد [الزمر : 66] في هذا رد على المشركين ، ووجه الرد : ما يفيده التقديم من القصر .

وكن من الشاكرين لإنعامه عليك بما هداك إليه من التوحيد ، والدعاء إلى دينه .

وقال تعالى : ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار [غافر : 41-42] .

فيه : أن الشرك موجب لدخول النار ، وأن التوحيد موصل إلى النجاة .

وقال تعالى : ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله [غافر : 73] ، وهي الأصنام ، والأوثان ، وغيرها .

قالوا ضلوا عنا ، أي : غابوا ، وفقدناهم ، فلا نراهم .

بل لم نكن ندعو من قبل شيئا .

ليس هذا إنكارا منهم لوجود الآلهة الباطلة التي كانوا يعبدونها ، بل اعتراف منهم بأن عبادتهم إياها كانت باطلة .

كذلك يضل الله الكافرين ؛ حيث عبدوا هذه الأصنام التي أوصلتهم إلى النار .

وقال تعالى : ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا [الفتح : 6] .

فيه بيان ما على أهل النفاق ، وأهل الشرك من سخط الله ، وعقابه ، ولعنه ، وطرده ، وإعداد النار لهم ، وسوء مصيرهم ، وأن ذلك مرتب على الإشراك . [ ص: 265 ]

وقال تعالى : قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا [الجن : 20-21] ؛ لأن الضار والنافع هو الله وحده لا شريك له .

ووقوع النكرتين في سياق النفي يعم كل ضرر ، وكل رشد في الدنيا والآخرة .

قل إني لن يجيرني من الله أحد ؛ أي : لا يدفع عني أحد عذابه إن أنزله بي .

كقول صالح -عليه السلام - : فمن ينصرني من الله إن عصيته [هود : 63] .

وهذا بيان الخبرة عن شؤون نفسه بعد بيان عجزه عن شؤون غيره .

ولن أجد من دونه ملتحدا [الجن : 22] ؛ أي : ملجأ ، ومعدلا ، وحرزا ألجأ إليه ، وأحترز به .

وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر كونه نافعا ، وضارا لأحد ، وأنه كان لا مجير ، ولا ملتحد إلا الله وحده .

فما ظنك أيها الإنسان بغيره من الأولياء ، والمقبورين ؟

وقال تعالى : إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية [البينة : 6] .

المراد بالخلود : الدوام الأبدي الذي لا ينقطع ، دون المكث الطويل كما سبق إلى ذلك ذهن بعض السلف والخلف . وظاهر الآية العموم .

وفي الآية أيضا تنبيه على أن وعيد علماء السوء أعظم من وعيد كل أحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية