صفحة جزء
ومنهم : من اعتقد أن الله هو السيد ، وهو المدبر ، لكنه قد يخلع على بعض عبيده لباس الشرف ، والتأله ، ويجعله متصرفا في بعض الأمور الخاصة ، ويقبل شفاعته في عباده .

بمنزلة ملك الملوك يبعث على كل قطر ملكا ، ويقلده تدبير تلك المملكة ، فيما عدا الأمور العظام .

فيتلجلج لسانه أن يسميهم : عباد الله ، فيسويهم وغيرهم .

فعدل عن ذلك إلى تسميتهم : أبناء الله ، ومحبوبي الله ، وسمى نفسه : عبدا لأولئك ؛ كعبد المسيح ، وعبد العزى .

وهذا مرض جمهور اليهود والنصارى ، والمشركين ، وبعض الغلاة من منافقي دين محمد صلى الله عليه وسلم يومنا هذا .

ولما كان مبنى التشريع على إقامة المظنة مقام الأصل ، عد أشياء محسوسة هي مظان الإشراك كفرا ؛ كسجدة الأصنام ، والذبح لها ، والحلف باسمها ، وأمثال ذلك.

وكان أول فتح هذا العلم علي أن رفع لي قوم يسجدون لذباب صغير سمى ، لا يزال يحرك ذنبه ، وأطرافه ، فنفث في قلبي : [ ص: 277 ]

هل تجد فيهم ظلمة الشرك ؟ وهل أحات الخطيئة بأنفسهم كما تجدها في عبدة الأوثان ؟ .

قلت : لا أجدها فيهم ؛ لأنهم جعلوا الذباب قبلة ، ولم يخلطوا درجة تذلل بالأخرى .

قيل : فقد هديت إلى السر .

فيومئذ ملئ قلبي بهذا العلم ، وصرت على بصيرة من الأمر ، وعرفت حقيقة التوحيد والإشراك ، وما نصبه الشرع مظانا لهما .

وعرفت ارتباط العبادة بالتدبير . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية